حوار: علي عبدالسادةالحوار مع الشاعر صادق الصائغ مغامرةٌ لذيذةٌ في أجواء عوالم تزخرُ بضوءِ الشعر والمعرفة ووهج الفنون. إنها مواجهة لا تنتمي إلى ارث المواجهات التقليدية .. انك تحاور متمردا وثائرا على نفسه، هو من القلة الذين آسرتهم إيقاعات الأسلوب الخمسيني، لكنهم افلتوا من تلك القبضة وانطلقوا إلى آفاق التجديد، ولك ان تكتشف الصلة التي يجسدها هو بين الثورة والحب، بين التمرد والعقلانية.
وهذه حيرة من يحاور الصائغ، عليه أولا ان يحزم أمتعة سفر من نوع خاص. عليه معرفة إن الشعر لديه هو أرض ميعاد ممكنة ووهمية في عين الوقت، كل تفصيل، كل حراك، صغيراً كان أو كبيراً يجري في إطار الشعر. منذ البدْ، وهو يتعقب نداء الحداثة بوعي وبدون وعي، و يضعه البعض نموذجا ً آخر لريادة شعرية لم تحصل على أحقيتها، قبلاً تكلم اللغتين ـ الخمسينية والستينية ــ ومع ان هاتين اللغتين لم تقتسما حياة، فقد كان كل منهما يجري بتواز مع الآخر. "نشيد الكركدن"، ديوانه الأول. عد علامة من علامات الشعر الستيني بعدئذ شعر الستينات وما تلاه من إضافات حققتها الأجيال اللاحقة. فمن قصيدة التفعيلة والعمود إلى قصيدة النثر سُجلت وقائع نقلة فصلت صيفه عن شتائه، كما يقول.rnقلت للصائغ:* نقاد كثيرون يقولون ان حضور الصائغ لم يُدرس بما يغطي الرقعة التي غطاها في شعره، لكن من تحريك قارئ نخبوي مميز كانت احدى مميزات ذلك الحضور. الى أي مدى ينطبق هذا القول عليك، وهل أحسست يوما ًبأنك مهمش؟ ـــ التهميش، وهو إماتة بطبئة، موجود قي كل زمن ومكان، وعادة، يبدأ بسياسة القوة المهيمنة ولا ينتهي بالحزازات والأنانيات الشخصية. وجاء الاختلال الدائم لتصاب الثقافة الوطنية بعطوب وتتآكل الأنسجة الأقتصادية والثقافية والمعرفية للمجتمع ، وقي بلدنا ، ،حيث الوجود نفسه قائم على صراع دام تكون الثقافة في مقدمة ما يتلف أو يشوه. وبالتالي فأن فعل التهميش لا يصدر عن المؤسسة الرسمية المهيمنة فقط،، بل ان بعض المثقفين يتورطون في إدامة مثل هذا الإشكال. وما دامت القوة السياسية المهيمنة هي من يصوغ القيم والمعايير ، فلابد اذن ، ان يكون المثقف اول من يتلقى الضربات. وبالنسبة لي ، فقد كنت معارضا على أكثر من صعيد ، فكيف لا ادفع ، كغيري الثمن؟مع ذلك فلم اشعر يوما ًبأني مهمش. كنت في مكاني الطبيعي. وكانت مكافأتي هي ان أكون حرا ً وقادرا ًعلى الطيران. وفي النهاية فإن صوت ألمهمش يبقى مسموعاً ، إذا كان موهوباً بالطبع، حتى لو أُلقي في بئر. والتاريخ يثبت ذلك. * هل أفهم من هذا أنك، مثل آخرين جايلوك، تستطيب التسمية، هل ترى فيها بعداً ايجابياً؟الستينيون قدموا مفهوما جديدا ًللأدب، وإذا كان البعض قد ارتضى هذه التسمية، بل وأعلنها فخراً، فلأنه قصد بذلك اشياء، كثيرة، منها الدفاع عن النفس او التحدي أو التميز عن ادباء السلطة، كثيرون قوبلوا بالإنكار، لكنهم شكلوا جذراالكتابة الجديدة. لا يمكن ان يهمش المبدع إلا على مستوى السطح الإجتماعي، وما دام مصرا ًعلى اختيار طريق التجاوز والمجازفة والاكتشاف، فعليه أن يكتفي بغناه الروحي والرمزي. وبالتالي، فليس لغير التاريخ من يحق له الفصل في قضية مثل هذه. لقد كنت دائما ً اكتب لنفسي، وكان همي الدائم ان أكون حرا ًداخل القصيدة. ويجب ألا ننسى إن القصة، في جانبها الأهم، هي قصة صراع بين قديم وجديد .rn تصورات جديدة للعالم * كيف تنظر الي تلك الفترة ، هل كانت فترة تغيير حقيقية ؟ ـــ هذا سؤال مهم ، وقد أضحى جليا ان المسيرة الثقافية العراقية بشكل عام تحتاج الى مراجعة واعادة تقييم على كل المستويات. وشأنها شأن الفترات التي سبقتها قوبلت بالصد، نظراً لإنفتاحاتها الفكرية على الخارج، كانت فترة تكوين كونية، تتجاوز لغة الضواحي المحلية، والانفتاح شمل الفكر السياسي والمعرفي والثقافي وكل الحقول الأخرى. وفي العراق يمكن ان نقول ان الستينات أسست لزمن شعري جديد ساهمت في إذكاء الجدل حول ما يعنيه الماضي والحاضر والمستقبل.. تيارات سياسية، كاليسار الجديد والجيفارية والتروتسكية والحركات الطلابية و المقاومة الفلسطينية والهبيز واليبيز والفهود السود والتوباماروس والألوية الحمراء و الماركسيين الجدد ــ القائمة تطول ــ كل هذه الاتجاهات ساهمت في رسم صورة جديدة للأمل القادم. وكان لابد ان ينعكس هذا على كل حقول المعرفة والفن، وبشكل خاص على التشكيل والسينما والشعر والمسرح. وكان منطلقا ً لصيت هذه الفترة، منطلقا ُللعراقيين أيضا ان يجدوا لأنفسهم نهجا اسلوبياً ومضامين وانساق جديدة. كانت هناك نخب صغيرة أطلقت هي الأخرى زمنا ًشعريا ً جديدا وسجلت ألإشارات الأولى للتحديث ً، تجارب هذه النخب فاجأت الجميع بسرعة انتشارها وبحضورها في أغلب الصحف السائدة آنذاك، وقد بينت الوقائع انها لم تكن مجرد موجة عابرة، بل ترسيخا ً لجذور تربط الماضي بالمستقبل. كما هو حال كل جديد، قوبلت هذه الإتجاهات بمقاومة عنيفة، لكن يحدث ان يغلب المغلوب الغالب، وهذا ما تحقق بالتأكيد. ه
صادق الصائغ: لا انافس احدا فـي الشعر سوى نفسي
نشر في: 1 فبراير, 2010: 05:39 م