عامر القيسيماحدث ويحدث بشأن الصلاحيات لكل هيأة مستقلة أو مستحدثة هو نتيجة طبيعية للاصرار غير المعقول على عدم تحويل كل مؤسساتنا المرتبطة بالحكومة مباشرة او غير المرتبطة بها الى مؤسسات دستورية على مستوى قوانينها الخاصة وقياداتها وتصويت مجلس النوّاب عليها ,
هو مايفتح الطريق الى عالم غامض وملتبس من الاجتهادات المتناقضة. هيأة المساءلة والعدالة شككوا بها لانها غير منتخبة من قبل مجلس النواب فكانت قراراتها كلها موضع شبهة وسيس عملها وقرارها حتى باتت كما لو انها واجهة سياسية! وهيئة التمييز هي الاخرى وفي باكورة قراراتها اتهمت بتجاوز صلاحيتها وان عليها النظر في الطعون وعدم اتخاذ قرارات ذات طابع سياسي كما يعتقد منتقدوها، وهيئة امناء شبكة الاعلام هي الاخرى تتعرض في كل حدث أو تغطية اعلامية الى اتهامات بالتحيز الى جهة ما على حساب بقية المكونات. وهكذا منذ انطلاق العملية السياسية بعد سقوط الدكتاتورية في التاسع من نيسان 2009 مازلنا نتجادل عن الصلاحيات، بما في ذلك صلاحيات رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية. ونجد دائما من يدافع عن هذا الطرف او ذاك، والنتيجة ضياع الجهد والمال والوقت مع استمرار الاختلافات التي عادة ما تؤدي الى توترات سياسية تثير قلق المواطن، كما هو حاصل الآن بين المساءلة والتمييز ووجهات نظر الكتل السياسية بمختلف مشاربها ومراجعها. ان طريق بناء دولة المؤسسات لايمر عبر هذه الاشكال الهلامية من الهيئات والمؤسسات التي تثير في كل مفترق مشكلة، ولو اننا عرفنا وبوضوح تأسيس مثل هذه الهيئات بطريقة دستورية وقانونية.. ولو اننا صغنا صلاحياتاها الدستورية بطريقة واضحة وشفافة لاتحتمل تعدد القراءات... ولو اننا مررنا هيئات من هذا النوع من تحت قبة البرلمان لوفّرنا الكثير من الجهد والمال والوقت.وكسبنا في الوقت نفسه ثقة المواطن بهذة الهيئات ووفرنا عليه هو الآخر القلق الذي يعتريه كلما اختلف الفرقاء حول قضايا محددة. المقلق في الامر ان احدا لايناقش دستورية وصلاحيات هذا النوع من الهيئات الا اثناء الازمة نفسها التي تنشأ عن قرار او مجموعة قرارات لهذه الهيأة أو تلك، ويبدو الأمر كما لو ان الجميع ينتظرون لحظة الازمة لاشعال فتيلها وتقليب مواجعها وربطها بازمات مرّت وانتهت، وتجري في هذه الاجواء المساومات والصفقات السياسية وتبادل المنافع أو حصد المزيد من المكاسب!! ولا احد يدري على حسب من تتم هذه المساومات التي لاتعبر في الحقيقة الا عن عقلية عدم احترام المواطن وخياراته أو الالتفات الى مصالحه الحقيقية. لقد قلنا ونقول الآن وسنقول فيما بعد ان الطريق الى دولة المؤسسات الدستورية لايمر من بوابة انصاف الحلول أو احتكار الصلاحيات او (التقاتل) لكسب ود هذه الهيئة أو تلك او محاولة جرّها الى عالم الازمات المتنوعة في ساحتنا السياسية المهيأة اصلا لانفلات اي ازمة من عقالها ونشر شرارتها الى بقية المناطق المهياة هي الاخرى لاستقبال رياح الازمة. رجاجة هذه الحالة وهشاشتها وخطورتها تنبع من المساومات وانصاف الحلول لبقاء الهيئات المستقلة مشلولة غير مشبعة الصلاحيات مختلفاً على دستوريتها وشرعيتها لتتحول الى ارض خصبة لانتاج المزيد من الأزمات.
وقفة :المساءلة والتمييز وما بينهما
نشر في: 7 فبراير, 2010: 05:10 م