TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > ذكريات عن 8 شباط عام 1963

ذكريات عن 8 شباط عام 1963

نشر في: 7 فبراير, 2010: 05:18 م

د. فائق بطيالساعة تشير الى التاسعة من صباح يوم الجمعة الحزين، ذهب الى مقر الجريدة لمراجعة وتصحيح مقاله الاسبوعي "حديث السبت" وبعنوان رسالة عتاب الى الرئيس عبد الناصر، اخبره العامل (علي عزاوي) بأن المقال لم ينضد بعد، لربما كان هذا التأخير من حسن حظه، كما تبين لاحقاً، عاد الى دار الوالدة القريبة من داره، لتناول قهوة الصباح المحببة اليه دائماً.
في مدخل شارع عرصات الهندية الرئيس من جانب منطقة المسبح، لمح سيارة "اوبل" صفراء تعترض السير في وضع يجلب الانتباه، وقد ترجل منها ثلاثة يعرفهم: منذر كبه ، عادل مهدي، ومنذر شماس صديق الاقارب، اعتقد للوهلة الاولى ان السيارة عاطلة، اقترب منهم وعرض عليهم المساعدة، نهروه وشتموه وكانوا واثقين ان تلك الشتيمة هي ساعة الصفر عند افراد الحرس القومي ، تماماً كما كانت عملية اغتيال (جلال الاوقاتي) قائد القوة الجوية امام داره في ساعة صفر الاجرام المقبل بميعاد سر الليل، الذي حمل ساعات صفر لافراد مدنيين بلباس عسكري وضباط جيش من مختلف العناصر الحاقدة على مسيرة الثورة والقوى الديمقراطية واليسارية. استغرقت عملية الذهاب الى الجريدة والعودة الى العرصات، ولحظات التقرب من سيارة "الاوبل" وتقديم المساعدة المقترحة، ثم التوجه الى دار الوالدة، ما يقرب من عشرين دقيقة، وقبل ان يترجل من سيارته، لمح سامي في وضع مرتبك وهو يشير بيده وبحركة غير متوازنة ، وينادي عليه بصوت ضائع: -اسرع ، انهم يذيعون البيان رقم واحد. كان ما يزال بجانب السيارة، فعاجل سامي السؤال: -من يذيع البيان؟-لا اعرف..هرع الى جهاز الراديون وكان ينشد "الله اكبر فوق كيد المعتدي" ذلك النشيد المحبب اليه عندما كان فدائيا في مصر ابان العدوان الثلاثي الغادر على مصر، وقد حفظه وانشده في مناسبات،  لحظات استمع الى فتاة لا علاقة لها بالعمل الاذاعي ولا صوت او صورة، تدعى (هناء العمري) زوج (علي صالح السعدي) امين سر حزب البعث العربي الاشتراكي انذاك، وهي تطنطن بالبلاغات الحماسية، التفت الى سامي وقال: -لقد عملوها..لنترك الدار حالاً. ثلاثة ايام طويلة مرت عليه وهو سجين دار (العمة) في شارع اصفر بالكرادة، الشارع الذي عرفه متمردا ومتظاهرا قبل سنوات يحتضنه من جديد، لا متمردا أو ثائرا ، بل نزيل غرفة مظلمة في احد مشتملاته، يستمع الى بيانات وتعليمات متلاحقة صادرة من اذاعة الكويت باسماء الشيوعيين والديمقراطيين والقاسميين وعناوينهم تدعو فيها افراد الحرس القومي الى اعتقالهم ، لقد قتلوا الزعيم قاسم وهو في الزي العسكري الذي لم يتركه منذ اليوم الاول للثورة، وفي جيب سرواله مئة فلس، قتلوه نتيجة سياسته التي اوصلته الى هذا المصير، سياسة "عفا الله عما سلف" وبسبب طيبته وابتعاده عن اتخاذ الاجراءات الحازمة والرادعة ضد اعداء الثورة والشعب، فامطر الانقلابيون انفسهم الذين عفا عنهم جسده للمرة الثانية بالرصاص. عاش قاسم زاهدا بالحياة ومغرياتها ، لم يفتن بمباهجها ومظاهرها او يستغل مركزه وموقعه القيادي في الدولة، كرس جل حياته من اجل خدمة الشعب والوطن ومات بطلا وضحية لنزاهته واخلاصه، بحيث اعترف حتى اعداؤه في رؤيتهم بعد العشرين  بذلك، وقتل الانقلابيون اعداء ثورة 14 تموز القدامى والجدد، وصفي طاهر، وماجد محمد امين المدعي العام للمحكمة وحسين خضر الدوري، عضو المحكمة وعبد الكريم الجدة، امر الانضباط العسكري، ومعه الملازم كنعان حداد، وطه الشيخ احمد، مدير الشرطة العام، وعشرات غيرهم من الضباط. ومع اذاعة البيان رقم 13 سيئ الصيت الدموي، اغتيال وقتل الحرس القومي (أي اس اس) النازي الشهير، مئات الشباب المقاومين للانقلاب في الكاظمية وشارع الكفاح وحي الاكراد، وفي مناطق عديدة من العاصمة بغداد، والمدن الاخرى كالناصرية والبصرة وكركوك والموصل. زحف الانقلابيون بدبابات رفعوا عليها صور عبد الكريم قاسم صوب وزارة الدفاع، واحتلوا الساحات العامة بحجة حماية الجمهورية، كان الضباط الشيوعيون والقاسميون الوطينون ينعمون باجازة يوم الجمعة بعد ان شغل الضباط الانقلابيون اماكنهم في الوحدات العسكرية وباتت الاموال والمساعدات تنهال على الانقلابيين وغيرهم من الذين باعوا ذممهم وباتوا بلا كرامة وشرف وطني، لقد اغتالوا ثورة 14 تموز الوطنية نيابة عن الامبريالية ووفق مخطط اميركي حبكته وكالة المخابرات الاميركية كما اعترف بذلك لاحقاً، امين عام حزب البعث الذي قام مع القوى الرجعية بالانقلاب الاسود. اذاعوا اسماء التشكيلة الوزارية، فكانت تشكيلة عجيبة غريبة، البعثيون احتكروا رئاسة الوزارة (احمد حسن البكر) والداخلية (علي صالح السعدي) الدفاع (صالح مهدي العماش) الخارجية (طالب النقيب) التخطيط (حازم جواد) ، القوميون المحافظون مثلهم (عبد العزيز الوتاري) للنفط، القوميون الناصريون ، مثلهم احد ضباط تموز ووزرائها (ناجي طالب) ، (مهدي الدولعي) وزيرا للعدل، وصاله كبة، واللواء (فؤاد عراف) وزيرا للدولة. *    *     *   وقفت (العمة) المضطربة في باب الغرفة وهي تتوجس خيفة من ان تصارحه، بل عقدت الدهشة لسانها، حين اشارت بيدها المرتعشة الى باب المشتمل الخارجي، ادرك على الفور، ان

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram