"سقط عبد الكريم قاسم بشجاعة، فقد رفض ان تعصب عيناه، الا انه كان الوحيد الذي كبلت يداه خلف الظهر بين الرجال الذين اعدموا معه. وكانت الكلمات الاخيرة التي اطلقها قبل اعدامه:(انكم تستطيعون قتلي، غير ان اسمي سيظل خالداً في تاريخ الشعب العراقي».جريدة «لوموند)- في 14 شباط 1963/ من جورج هربوز، المبعوث الخاص لوكالة الانباء الفرنسية في بغداد
بغداد/ 13/2/1963:العاصمة العراقية هادئة تماماً. ونلاحظ اعداداً كبيرة من المسلحين المدنيين يمخرون الشوارع. انهم اعضاء (الحرس القومي)، الذين يحملون اشرطة نسيجية خضراً على سواعدهم وينسقون مع رجال الشرطة.وهم يتحركون تحت اشراف من الجيش بشكل واسع، الا ان مهمتهم الاساسية هي قنص الشيوعيين، وهي عملية بوشرت حال توقف المقاومة في وزارة الدفاع. هناك عدد من الشيوعيين ظل حتى يوم الثلاثاء 12 شباط، يواصل خوض معارك صغيرة في عدد من الاحياء ضد الحرس القومي.في اللحظة الحالية تستعيد بغداد حركة شبه عادية، والاجواء بدأت تتجه نحو الهدوء. اذ يبدو ان يوم السبت 9 شباط كان، بإقرار الجميع، اليوم الاكثر رعباً. لذا فقد حبس الناس انفسهم في المنازل، حيث حصل قطع في الكهرباء، كما ان اصوات رشقات الرشاشات كانت تسمع في اركان الشوارع. وبينما كانت الاوامر والاوامر المضادة تذاع من الراديو، كان شبان من حملة الاشرطة الخضر على السواعد يمارسون ما يشبه لعبة الحروب الصغيرة مقيمين دكتاتورياتهم في كل حيّ. التجول لا يتم الا بتصريح خاص يرخص به، الا ان اولئك الذين بحاجة ماسة له لا يعرفون لمن يتوجهون بالطلب لاستحصاله. وحتى عندما ينجحون في الحصول على مثل تلك التصريحات فانهم لا يجدون من يعترف لهم بصفتها الرسمية.وكمثال على حملات (التطهير) الواسعة ما حصل في وزارة مهمة كوزارة النفط، حيث لم يسلم فيها سوى اثنين من الموظفين بينما القي القبض على جميع العاملين في الوزارة حتى صغار السن منهم وارسلوا الى المعتقلات. ففي الاوساط الرسمية للنظام الجديد نسمعهم يقولون بشكل دائم: "لدينا قوائم باسماء جميع الشيوعيين ولن نترك أحداً منهم يفلت من يدنا". والقلق كبير جداً في اوساط المسيحيين الكلدان الذين، كما يقال، اصطفوا مع الشيوعيين.ان الاضرار المادية اقل مما تم تخيله، اذ كانت وزارة الدفاع مركز الهجمات الجوية، ومن الواضح بداهة انها تعرضت للقصف بكثير من القذائف والتي بمعظمها لم تكن صواريخ انما قنابل صغيرة العيار، وان كان كلام راديو بغداد خلال الساعات الاولى بعد انقلاب يوم الجمعة المصادف 8 شباط، الذي أكّد قائلاً (لقد سحقت الدكتاتورية الخائنة كالجرذ تحت انقاض وزارة الدفاع)، اوحى بالاعتقاد بان الوزارة تعرضت لتدمير شبه كلّي. عموماً، وبرغم آثار المعارك فيها، ليس لبغداد هيئة مدينة مهدمة تحت القصف بما في ذلك احياؤها الاكثر تعرضاً للاصابات.rnقتل قائد القوة الجوية برشقة من رصاص رشاشrnاما عن كيفية حصول الانقلاب الذي قامت به مجموعة من العسكريين المتمردين في يوم الجمعة الذي يصادف يوم الرابع عشر من شهر رمضان، فان التفاصيل اصبحت معروفة الآن لدينا.لم يكن الزعيم عبد الكريم قاسم موجوداً في وزارة الدفاع، التي هي مقر اقامته الاعتيادي، في اللحظة التي قامت فيها طائرات قاعدة الحبانية بمباشرة هجماتها صبيحة يوم8 شباط. فيوم الجمعة هذا كان كغيره يوم التعطيل الاسبوعي للمؤسسات الرسمية والخاصة. فقد كان السكان قد سهروا حتى وقت متأخر عشيته، وكانت الشوارع خالية الا من عدد قليل من المارة. كما ذكرت الاذاعة العراقية ان الزعيم عبد الكريم قاسم قام في ليلة الخميس على الجمعة بواحدة من جولاته التفقدية التي اعتاد القيام بها الى عدد من احياء العاصمة. وفي الساعة الثامنة والنصف توقف البث الاذاعي فجأة. ثم تبين ان فريقاً صغيراً من العسكريين استطاع الاستيلاء على محطة الارسال الاذاعي الواقعة في منطقة تبعد قرابة خمسة كيلومترات شمال شرقي بغداد. وقد تكوّن الفريق من بعض الضباط الشباب شأن معظم الذين شاركوا في تنفيذ هذا الانقلاب العسكري.في نفس الوقت، بوغت قائد الجوية العراقية (الزعيم جلال الاوقاتي) بجماعة اخرى من صغار الضباط نجحت باقتحام منزله وسارع افرادها الى غرس بنادقهم الرشاشة في صدره طالبين منه ان يضع توقيعه على أمر يقضي بشن عملية جوية ضد وزارة الدفاع الوطني مقر اقامة الزعيم قاسم. ولما رفض ان يفعل ذلك، ازداد الضباط الشباب حدة في عدوانيتهم. عندئذ وضع الزعيم (الاوقاتي) احد اطفاله في حضنه معتقداً ان ذلك كفيل بردعهم قليلاً، الا انهم على العكس صاروا اشدّ شراسة وخطراً في تهديدهم. وهنا، وتحت فوهات البنادق الرشاشة المتحفزة نحو رأسه وافق على توقيع أمر القيام بالعملية. بيد انهم وحال انتهائه من وضع توقيعه اطلقوا عليه رشقات رصاص عدة اردته قتيلاً في الحال.هذه هي البداية الفعلية الاولى لعملية تنفيذ الانقلاب العسكري. وفي تلك اللحظة كانت عدة طائرات قادمة من قاعدة الحبانية قد ظهرت فجأة فوق قاعدة عسكرية اخرى كائنة في موقع جنوب غربي بغداد تسمى بـ «معسكر الرشيد» يرابط فيها عادة قسم مهم من القوة الجوية والدبابات. فالجماعة المتمردة كانت تعرف مسبقاً بانها لا تمتلك أي حظ في كسب ضباط الجو العاملين في معسكر الرشيد الى جانبها. لذلك سارعت، عبر ع
أول تقرير صحفي تناقلته وكالات الانباء العالمية
نشر في: 7 فبراير, 2010: 05:20 م