د.سلمان شمسةحققت ثورة الرابع عشر من تموز أمل الشعب العراقي وقواه الوطنية بالقضاء على الملكية والتحرر من الاستعمار البريطاني وحلف بغداد، كما حققت الكثير من المنجزات لشعبنا، ليس آخرها القيام بخطوات وإجراءات ديمقراطية هامة كانت تمهيدا لقيام نظام ديمقراطي له قصب السبق على صعيد المنطقة، لو قدر لتلك الخطوات أن تترسخ وتتدعم بخطوات تكميلية أكبر وأهم من تلك التي تم تحقيقها.
إن جبهة الاتحاد الوطني التي منحت حركة الضباط الأحرار صفة الثورة بسبب تحشيدها الشارع وتعبئتها الجماهير من أجل دعم الجيش والوقوف بجانبه لم تستمر في دعمها ذاك، إذ سرعان ما دبت الخلافات بين الأحزاب المكونة لها، لتفقد الثورة واحدا من أهم عناصر قوتها واستمراريتها وتصاعدها.لقد بدأ الخلاف بين التيار القومي والحزب الشيوعي على الشعار الذي رفعه حزب البعث والداعي إلى الوحدة الإندماجية الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة، وهذا مما دعا الحزب الشيوعي (الذي كان يتمتع بمد جماهيري كاسح في ذلك الوقت) إلى رفع شعار الاتحاد الفيدرالي بمواجهة شعار الوحدة الفورية. والملاحظ أن ذلك الخلاف لم يبق في حدود الصراع الفري والعمل على كسب الجماهير إلى هذا الشعار أو ذاك بالطرق الديمقراطية، بل أدى إلى الاحتراب والتصعيد بين التيارين القومي والشيوعي. فالتيار القومي، وبالذات حزب البعث غادر ركب الثورة وأنتقل للتخطيط من أجل إنتزاع السلطة من أيدي حكومة عبد الكريم قاسم لبناء دولة الوحدة على أنقاضها ومهما كان الثمن. أما الحزب الشيوعي فقد وقف موقفا تراجيديا لا يحسد عليه بين ضرورة الدفاع عن مكتسبات الجمهورية من ناحية وعملية الشد والجذب مع حكومة قاسم بسبب اكتساحه الشارع وتآلب القوى المختلفة من قومية ودينية وغيرها عليه من ناحية أخرى.بالوقت الذي كانت الضغوط والمؤامرات الخارجية والداخلية تشتد على ثورة تموز لاجهاضها وحرفها عن مسيرتها. وقد وجه الزعيم عبد الكريم قاسم وفي مناسبات عديدة نداءات صادقة للقوى الوطنية حينئذ لنبذ خلافاتها والعمل من أجل تحقيق أهداف الثورة ومواجهة أعدائها والمتربصين بها، ولو كانت تلك القوى قد استجابت لنداءات قاسم وعملت على عقلنة خلافاتها وحلها بالحوار وبالطرق السلمية لساهمت في إنقاذ الثورة وإنجازاتها من الغرق في بحر الدماء الذي غرقت فيه. وأخيرا فإن ثورة تموز لم تنحرف ليصحح نهجها بحركة تصحيحية أو غيرها، ولا هي حادت عن أهدافها ولا عن وفائها للفقراء والمعدمين الذين جاءت من أجلهم لتناصب ذلك العداء السافر الذي أدى بالنهاية إلى نحرها، ولكن تكالب الأعداء الخارجيين والداخليين وخوفهم من إنجازات أكبر وأعمق لصالح الشعب العراقي ودور أوضح وأكثر تأثيرا للثورة التي مست بالصميم مصالح المستعمر ومخططاته المشبوهة على صعيد المنطقة جعلهم يستنفرون كل قواهم من أجل نحر الثورة وإعدام رمزها وزعيمها بأبشع صورة ودون منحه حتى حق الدفاع عن نفسه.يمثل إنقلاب 8 شباط ليس فقط إجهاض الثورة التي كانت حلم الملايين من العراقيين، بل يمثل البداية الحقيقية للخراب الذي سيعم العراق ممثلا بالإستبداد والعنف والدم الذي سوف يهدر غزيرا من الشيوعيين وأصدقائهم أولا ثم من القوى الأخرى كردية ودينية وغيرها فيما بعد، وسيبقى القمع والإرهاب هما الصفتان الملازمتان لنظام البعث على مدى عشرات السنين، وليدخل العراق النفق المظلم بسبب سياستهم التي دمرت وهدرت طاقات البلاد وأضاعت تلك الإنجازات الواعدة التي حققتها ثورة تموز والتي كان يمكن تطويرها وتعميقها والسير بها قدما حتى تحقيق كامل أهداف الثورة لو ارتفعت القوى السياسية الفاعلة إلى مستوى مسؤولياتها وحلت خلافاتها التي كان يمكن أن توجد لها الحلول، وما كان ليحدث ذلك الإنقلاب المشؤوم لو لا التفاعل والتنسيق بين العدو الخارجي المتضرر من الثورة وما حققته، ومن جاءوا بقطاره ليقترفوا أعظم جريمة بحق شعبهم، وما انتهت جرائمهم يوما بل طالت الجميع دون إستثناء وعلى جميع الصعد.السؤال الثالث مركب وطريقة طرحه بهذه الصورة لا تساعد على الإجابة المختصرة كما هو مطلوب. فالسؤال ذو شقين أساسيين، الشق الأول يخص العلاقة بين حزب البعث من ناحية والأحزاب والقوى السياسية الأخرى من ناحية أخرى. في حين يمتد إلى العلاقة بين القوى السياسية مع بعضها، وهذا الأمر هو الذي يستحق الانتباه والتركيز أكثر. أما الشق الثاني فهو ما يتعلق بكيفية ترميم البيت العراقي وهل يتم ذلك مع السلطة الحالية أم من دونها؟.شهدت الساحة العراقية بعد ثورة 14 تموز 1958 إرهاصات وانجازات كثيرة لا مجال للتطرق إليها الآن، كما شهدت صراعا فكريا وجماهيريا بين الحزب الشيوعي الذي أكتسح الساحة حينئذ وكذلك التيار القومي مدعوما من الخارج وممثلا بحزب البعث. وكان مجال الصراع الشارع والنقابات وأروقة الكليات، إلا أن ذلك الصراع تحول بعد إنقلاب شباط 1963 إلى حمام دم استشهد فيه خيرة قادة وكوادر الحزب الشيوعي والكثير من رفاقه وأصدقائه، كما ضاقت السجون والمعتقلات بالشيوعيين وأصدقائهم، فكان نظام الحكم ذاك ديكتاتوريا قمعيا دمويا. واستمر ذلك النهج بعد إنقلاب 1968 مع فارق أن المستهدفين كانوا كل القوى السياسية إضافة إلى الشيوعيين مثل البعثيين اليساريين والقوميين والإسلاميين والأكراد، فزهقت أرواح عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف من شباب العراق واقترفت جرائم نوعية لم
انقلاب 8 شباط البداية الحقيقية لخراب العراق
نشر في: 7 فبراير, 2010: 05:21 م