اريك ديفس ترجمة/ حسين كركوش فهد والجادرجي مثقفان عضويان بتعريف غرامشي رغم أن مواقف الانتليجيسيا العراقية في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كان يغلب عليها التمرد ورفض النظام الاجتماعي والسياسي القائم، إلا أن من الصعوبة القول إن تلك الانتليجنسيا كانت تتألف من «مثقفين عضويين»،
بالمعنى الذي يقصده غرامشي، وإحدى الصعوبات الكبرى التي وقفت عائقا أمام ظهور مثل هولاء المثقفين، تكمن في غياب ذاك النوع من المثقفين الذين هم مثقفون وسياسيون، في آن واحد، وبالتالي يملكون القدرة على أن يكونوا جسرا يربط بين الإبداع الثقافي وبين النشاط السياسي. لكن هذا لا يعني عدم وجود استثناءات مهمة، وأحدى تلك الاستثناءات كان قد جسدها القائد الشيوعي الشهير فهد (يوسف سلمان يوسف)، الذي يعتبر أحد مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي.إما الاستثناء الثاني فقد جسده كامل الجادرجي، أحد مؤسسي جماعة الأهالي، ومؤسس الحزب الوطني الديمقراطي. وما يثير الاهتمام ، هنا، هو أن فهد والجادرجي كانا، كلاهما، يحملان خلفيات صحافية. فقد كانت بداية فهد في العمل الصحافي، في مدينة الناصرية، جنوب العراق، عندما كان يراسل صحيفة الحزب الوطني، الذي كان ظهوره قد سبق تأسيس الحزب الشيوعي، وبرغم أن فهد قد فارق الحياة في عمر مبكر، بعد أن أعدم في شباط 1949، إلا أنه، مع ذلك، ترك وراءه كتابات معمقة حول قضايا سياسية واجتماعية. لقد كان فهد يملك حساسية خاصة إزاء التعددية الإثنية التي يتألف منها المجتمع العراقي، مثلما كان في طليعة الكتاب «الذكور» الذين دافعوا عن حقوق المرأة.إن أحد الجوانب المهمة في الميراث الثقافي الذي تركه فهد وراءه، لفترة الخمسينيات، كان يكمن في تبنيه وأشاعته لفكرة الجبهة الوطنية في الحياة السياسية العراقية، وهي فكرة تبنتها، بطريقة فعالة، الحركة الشيوعية في العراق قبل موت فهد. ولكن، لأن الشيوعيين ما كان بمقدورهم المشاركة بشكل علني في الحياة السياسية، فقد تسنى للحزب الوطني الديمقراطي، تحت زعامة الجادرجي، أن يتسيد الجبهتين الوطنيتين اللتين ظهرتا إلى الوجود في الخمسينيات. الجبهة الأولى هي، الجبهة الانتخابية المتحدة، التي تشكلت لمواجهة انتخابات حزيران عام 1954.إما الجبهة الثانية فهي، جبهة الاتحاد الوطني التي تشكلت في شباط 1957، وكانت تهدف للتخلص من حكم نوري سعيد، وحل البرلمان، والانسحاب من حلف بغداد، ووضع العراق في طريق تبني سياسة الحياد الإيجابي، وإشاعة الحريات الديمقراطية، وإلغاء الأحكام العرفية، وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين.إن المكانة البارزة جدا التي تبوأها الحزب الشيوعي العراقي عند نهاية الأربعينيات، إنما تحققت بفضل مهارات فهد التنظيمية، وبفضل جهوده التي لم تعرف الملل والكلل، في ميدان توسيع كوادر الحزب.وبعد إعدام فهد عام 1949، فأن ما من احد من الذين أعقبوه في قيادة الحزب، استطاع أن يعوض مكانته، سواء كمثقف، أو كقائد للحزب، وبسبب القمع البوليسي المستمر، وغياب قيادة مؤثرة، مثل قيادة فهد، فان الحزب الشيوعي تعرض إلى الانقسامات، وفي منتصف الخمسينيات كانت العديد من الانقسامات قد حدثت داخل الحزب، وأبرزها تنظيم القاعدة وتنظيم راية الشغيلة.الناشط الثقافي والسياسي المهم الأخر، بالإضافة إلى فهد هو، كامل الجادرجي، مؤسس الحزب الوطني الديمقراطي. وبفضل الدوافع الإصلاحية عنده، اندفع الجادرجي، منذ سنوات شبابه الأولى نحو الحزب الوطني، ثم أرتبط لاحقا بجماعة الأهالي، وبعد ذلك اشترك في حكومة حكمت سليمان عام 1936، وبرغم الفشل الذي أحاط بحكومة حكمت، إلا أن التزام الجادرجي بفكرة الإصلاح لم يتوقف، بل تعمق. وبسبب نشاطاته المتواصلة والهادفة إلى تحقيق المزيد من الانفتاح السياسي داخل المجتمع، ونتيجة لنشاطاته المستمرة والهادفة إلى إقامة مجتمع أكثر انفتاحا سياسيا، وتحقيق أكبر قدر من العدالة في توزيع الثروات فأن الجادرجي تعرض إلى السجن مرتين خلال فترة الخمسينيات.وإلى جانب نشاطاته السياسية، كان الجادرجي مصورا فوتوغرافيا بارعا، وهذا ما تظهره مجموعة «مصورات الجادرجي» التي نشرها، بعد وفاته، نجله رفعت، إضافة لذلك، كان الجادرجي مهتما بفن العمارة، وهو أمر بالإمكان التحقق منه عند معاينة بيته في بغداد. وفوق ذلك، فان الجادرجي كان مهتما بالأدب والفن وبالفلسفة السياسية الغربية، وقد عكست صحيفتا (الأهالي) و(صوت الأهالي) اللتان أصدرهما، اهتماما بالأدب الغربي وبالأدب السوفيتي، وأحيانا حتى على حساب إهمال الأدب العربي.إنهم لقلة أولئك المثقفين العراقيين الذين كانوا، في آن معا، ناشطين سياسيا ويملكون قوة تأثير، وأولئك الأشخاص الذين استطاعوا أن يجمعوا بين هاتين الميزتين، مثل فهد والجادرجي، تعرضا لهجمات، ليس من قبل الدولة فقط، وإنما، أيضا، من جهات أخرى. وعلى سبيل المثال، دائما ما تم الطعن بمصداقية الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي، بخصوص موقفيهما إزاء القضايا العربية، برغم أن أي تحليل دقيق لحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، يظهر مدى التعاطف الذي كان يكنه فهد والجادرجي لقضية الوحدة العربية. وه
فهد والچادرچي مثقفان ربطا بين الإبداع الثقافي والنشاط الفكري
نشر في: 10 فبراير, 2010: 04:52 م