. علي عبد الهاديالمرهج من المعروف ما كتبه الكواكبي(ت 1902) عن الاستبداد ووضعه لطبائعه وصفاته، و لا نريد الخوض في هذا الموضوع لكثرة ما كتب عنه، ولكننا آثرنا ان نلم ببعض أفكار ونصوص الكواكبي التي توضح موقفه من الغرب ، لاعتقادنا بأهميتها في بناء علاقتنا مع الاخر. يعتقد الكواكبي أن الاستبداد آفة وهذه الآفة تستشري لأسباب كثيرة أهمها:
د ضعف الأمة تجاه الحاكم وعدم وجود عقد بين الحاكم والشعب يلزم الحاكم باحترام حقوق شعبه، فضلاً عن وجود دور للأمة في اختيار ذلك الحاكم مع وجود بعض المتزلفين للحكام الذين جعلوا من أنفسهم سوطا يجلد به الحاكم شعبه وقد سماهم الكواكبي (المتمجدون) وهؤلاء منهم القادة العسكريون الذين يستخدمون القوة لإخضاع الشعب لسلطة الحاكم، ومنهم المثقفون الذين يستخدمون الثقافة لتبرير أفعال الحاكم ، ومن رجال الدين(وعاظ السلاطين) وهؤلاء هم الأخطر كونهم يستخدمون الدين لغير أغراضه ويتخذونه سلاحاً للقبول بسلطة الظالم من قبيل (إن الحاكم ظل الله في الأرض)، لذلك نجد الكواكبي يعتقد بأن الاستبداد السياسي يستشري ويتسع حيث ما يوجد الاستبداد الديني لذلك يقول "متى وجد أحدهما في أمة جر الآخر إليه أو متى زال رفيقه وان صلح أي ضعف أحدهما صلح أي ضعف الثاني (ص 31) " بمعنى أن ضعف الاستبداد الديني يؤدي إلى ضعف الاستبداد السياسي . نجد الكواكبي ونتيجة لما سبق ينظر باحترام وتقدير لكل حركات الإصلاح الديني في العالم ،لا سيما التي حصلت في الغرب ، فالبروتستانتية كما يعتقد مفكرنا ، بوصفها حركة إصلاح ديني كانت "اشد تأثيراً في الإصلاح السياسي والأخلاق من تأثير الحرية المطلقة السياسية في جمهور اللاتيين أي الفرنسيين والطليان والأسبانيين والبرتغاليين.. وان ما من امة أو عائلة أو شخص تنطع في الدين أي تشدد إلا واختل نظام دنياه وخسر أولاه وعقباه" (ص 31). إن هذا الخلط أو الاشتراك بين الاستبداد الديني والاستبداد السياسي انعكس سلباً على رؤى العامة ، فكون لديهم اعتقاداً بان هناك كثيرا من الصفات المشتركة بين عظمة الخالق وجبروت المستبد وبعبارة الكواكبي "يجد العوام معبودهم وجبارهم مشتركين في كثير من الحالات والأسماء والصفات، وهم هم ، ليس من شأنهم أن يفرقوا بين (الفعال المطلق)، والحاكم بأمره ، وبين (لا يسأل عما يفعل) وغير مسؤول ،وبين (المنعم) وولي النعم ، وبين (جل شأنه) وجليل الشأن وبناء عليه. يعظمون الجبابرة تعظيمهم لله ، ويزيدون تعظيمهم على التعظيم لله لأنه حليم كريم ولأن عذابه آجل غائب، وأما إنتقام الجبار فعاجل حاضر ."(ص30). لربما بنظرة بسيطة إلى هذه النصوص السابقة نستطيع أن نتبين مدى حرص الكواكبي على بناء مجتمع أهم مقوماته هي الإصلاح الديني واعتقاده بأهمية وضرورة ذلك الإصلاح ، كونه مدركا تماما ان المجتمع الذي يعيش فيه مجتمع يشكل الدين ركنا أساسيا في بناء نهضته ، وهو في الوقت نفسه مدرك لأهمية المقومات الأخرى ، مثل اللغة والعرق والتاريخ المشترك ، ولكنه يعتقد بأن نهضة هذا المجتمع لا يمكن أن تتم من دون الإصلاح الديني ، لان الدين كان سبباً رئيساً من أسباب نهضته في العصور السالفة ، وهذه النهضة التي أنجزتها الرسالة المحمدية كانت مبعثاً للتنوير في أوروبا ودول الغرب ، وما كانت الحضارة الغربية لتصل إلى ما وصلت إليه لو لم يكن الشرق الواسطة والحلقة المعرفية التي نقلت حضارة اليونان وصبتها في قالب حضاري جديد يحمل طابع الدين الإسلامي بشكله النهضوي الحواري الذي انفتح على حضارات الأمم الأخرى من غير عقدة في الحوار أو عقدة في معرفة علوم الحضارات التي سبقتنا. لطالما كانت الرسالة الإسلامية دافعاً نهضوياً وبناء حضارياً وإصلاحا دينياً ، فقد وجدنا الكواكبي ، فضلاً عن كونه يعتقد بضرورة العودة إلى النبع الأصيل متمثلاً بالرسالة الإسلامية ،إلا إنه لا يجد مانعاً من الإطلاع على حركات الرقي والتقدم في الحضارات الأخرى، وكأنه يعيد لنا سيرة الفلاسفة المسلمين ، لاسيما الكندي وابن رشد اللذان طالبا بضرورة الإفادة من الأمم التي سبقتنا في التقدم ،لذلك نجد سيرة الكواكبي وكأنها استنهاض لهذه الرؤى ،وإعادة قراءة لهذا التاريخ في ضوء مستجدات العصر. لكي يكون نقد الكواكبي للاستبداد الديني وعلاقته بالإستبداد السياسي أكثر نضجاً نجده يعود إلى الحضارة اليونانية ويستفيد من طروحاتها في بناء الوعي السياسي الذي يبتغيه للمجتمع العربي والإسلامي ،فهو يعتقد أن حكماء اليونان هم أول من استخدم الدين في الإصلاح السياسي "حيث تحيلوا على ملوكهم المستبدين في حملهم على قبول الاشتراك في السياسة باحيائهم عقيدة الاشتراك في الإلوهية ، أخذوها عن الآشوريين ومزجوها بأساطير بصورة تخصيص العدالة بإله والحرب بإله والأمطار بإله إلى غير ذلك من التوزيع ، وجعلوا لإله الآلهة حق النظارة عليهم ، وحق الترجيح عند وقوع الاختلاف بينهم " ص32 الأمر الذي دفع اليونانيين إلى مطالبة حكامهم بالنزول من مقام الإلوهية طالما إن الإله ليس له الحق بالتصرف بكل شيء، وجعلهم حكم الأرض شبيها بحكم السماء مبنياً على الاعتقاد بإنسانية الإنسان أولاً التي تجعل الحاكم مساوياً لأبناء شعبه ، الأمر الذي سهل عليهم بناء جمهوريات مثل أثينا و إسبارطة . وحكم الإسلام
رؤية الكواكبي لآفاق الغرب
نشر في: 12 فبراير, 2010: 04:29 م