حازم مبيضين ليس غريباً أن تثير مصافحة الأمير تركي الفيصل لنائب وزير الخارجية الإسرائيلي ردود فعل واسعة، برغم نفي الأمير اعتراف بلاده بالدولة العبرية، ودعوته للمتابعين لعدم إخراج هذه الواقعة من إطارها أو إساءة فهمها، وتأكيده على استمرار اعتراضه القوي وإدانته لسياسات إسرائيل ضد الفلسطينيين.
ويبدو مفيداً الإشارة إلى الظروف التي رافقت هذا الحدث الذي أتى بعد أن اعترض المسؤول الإسرائيلي علناً على رفض الفيصل الجلوس بقربه، في حلقة حوار في المؤتمر الدولي الأمني السنوي في ميونيخ، وطالبه بالتقدم لمصافحته ليظهر بأنه لا يكن مشاعر عداء، لكن الأمير أشار إليه بالنزول عن المنصة، وهو يدرك حرصه على المصافحة بقدر حرص الامير على تفاديها، لكنه انتزع منه مقابل ذلك اعتذاراً علنياً، عن المعاملة المهينة التي تلقاها السفير التركي في تل أبيب، وكان بليغاً إعلان الأمير بأنه لو ندم على من صافحهم في حياته العملية لمات كمداً.قلنا إنه في عالم الدبلوماسية لن يستغرب أحد هذه المصافحة، التي تثبت شجاعة الأمير الشخصية، بعد أن قلب المجن في وجه الدبلوماسي الإسرائيلي، الذي بلغت وقاحته حد التدخل في ما لا يعنيه، عند اتهامه السعودية بأنها لم تعطِ السلطة الفلسطينية فلساً واحداً، رغم أنه معروف ومعلن أنها قدمت أكثر من 500 مليون دولار للسلطة الفلسطينية خلال السنوات الخمس الماضية. وهو ما اعتذر عنه لاحقاً، وكأن الفيصل حشره في الزاوية ليوالي اعتذاراته، وهذا في العرف الدبلوماسي يشكل اهانة حقيقية، وإن لم تبد كذلك في الأوضاع العادية، وإذا كنا نعرف الموقف السعودي من الدولة العبرية فان هذه المماحكة الدبلوماسية تسجل لصالحها وليس ضدها. يتبنى العالم العربي المبادرة السعودية لعقد اتفاقات صلح مع إسرائيل تنهي حالة العداء بينها وبين الدول العربية، لكن سياسات اليمين الصهيوني تتجاهل مبادرة السلام هذه، وتعمل على إحباطها، لأنها تسحب البساط من تحت أرجلها، وتعري مواقفها أمام العالم باعتبارها دولة تؤمن بالعدوان وتتمسك بما ينجم عنه من حقائق مفروضة بالقوة، وإذا كنا نعرف أن الدبلوماسي السعودي الأمير الفيصل يؤمن إيماناً كاملاً بموقف بلاده السلمي، فلماذا نستغرب مصافحته لمسؤول إسرائيلي في محفل دولي، علماً بان ذلك لن يرتب على بلاده أي مسؤوليات، وإذا كان المسؤولون الإسرائيليون يستقبلون في العديد من العواصم العربية، فلماذا تثار هذه الضجة التي يبدو أن أهدافها معروفة ومكشوفة وهي لا تتعدى مناكفة السعودية بمناسبة ومن دون مناسبة. أشد على يد الأمير التي صافحت يد نائب وزير خارجية إسرائيل، لأنها ظلت اليد العليا، وهي تتمسك بإدانة كل الموبقات التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني، ولأنها ظلت نظيفة وطاهرة، وهي تدفع ذلك المسؤول إلى حائط الاعتذارات العلنية، ولأنها كشفت بأشد ما يمكن من الوضوح أن العرب ليسوا في وارد العداء المطلق لإسرائيل، وأن تلك الدولة هي التي تضمر العداء المطلق لكل ما عداها.rn
خارج الحدود: مصافحة الفيصل لآلون
نشر في: 12 فبراير, 2010: 06:11 م