خزعل الماجديظهر مصطلح (المثقف)، مع بداية التاريخ الحديث في اوربا، في حدود القرن الخامس عشر كرد فعلٍ على مصطلح (رجل الدين) او (الفقيه) . فالمثقف ينتمي الى المؤسسة المدنية التي كافحت ببسالة لإنهاء التاريخ الوسيط و القرون المظلمة التي صنعتها المؤسسة الدينية .
و يتبع ذلك إعطاء المثقف دورا تنويريا يسعى لتكريس القانون المدني (الدستور ) بدلا من القانون الديني (الشريعة ) و الرؤية العلمية للعالم بدلا من الرؤية الاسطورية , و هذا كله يضعه في تضاد كامل مع رجل الدين الذي يحاول إعادة العجلة الى الوراء .هذا هو مفتاح الفهم الحقيقي للمثقف ، ونرى أننا بدون هذا الفهم سنتخبط في أوهام كثيرة ، ولذلك لايوجد رجل دين مثقف ولايوجد مثقف يدعو الى فهم ديني للعالم والواقع .المثقف لا ينمو وحده مثل شجرة صبير في الصحراء بل هو جزء من جماعة كبيرة و مؤثرة هي فئة المثقفين الفاعلة و المؤثرة في المجتمع , و قد ظهرت هذه الفئة في الغرب باسم (الانتلجستيا) و ضمت أكبر مفكري النهضة و التنوير و العقلانية بدءاً من بيكون و مروراً بجان جاك روسو وفولتير و ديدرو ولا تنتهي بسارتر او ميشيل فوكو أو دريدا . لكننا في عالمنا العربي، و في العراق بشكل خاص، لم نتخط أولاً عتبه التاريخ الوسيط و لذلك بقي مثقفنا لصيقاً برجل السلطة أو رجل الدين ولم يقف قبالته . ثم أننا لم ننتج فئة الانتلجستيا ولم تكن هناك نهضة حقيقة ولا تنوير حقيقي , بل كان هناك استقلال شكلي سرعان ما هيمنت عليه سلطات شمولية او إقطاعية تنهل من قيعان الدين ثباتها المركزي و قوتها التدميرية .لم يكن هناك مشروع ثقافي حقيقي , ولم تكن هناك إرادة شاملة كبرى للمثقفين لإنتزاع البلاد من ظلام التاريخ الوسيط الى أنوار التاريخ الحديث ثم التاريخ المعاصر .كان مثقفنا خائفا و متردداً و تابعاً للسياسي و لرجل السلطة ورجل الدين ورجل القبيلة ولم يمتلك الإرادة الحرة إلأ فيما ندر. كان مثقفنا يعاني من فهم سياسي قاصر للأحزاب التي تقاتلت على السلطة منذ عقود فلم يبصِّر الناس بحقيقة منهج العنف والشمول الذي يستبطن أديولوجيا الأنماط الثلاثة للراديكالية السياسية في الأحزاب الأصولية (الماركسية والقومية والإسلامية ) و مازال يجرب , مثل الاخرين , عقاقير الشفاء في المشاريع الأممية و القومية والدينية دون أن يدري أنها مشاريع شمولية لا تنتج سوى العنف و التخلف والخراب .كان يتنقل ما بينها ،كأن شيئا لم يكن، دون أن يدري بأن الحقيقة على مقربة منه ولا تحتاج منه الا الشجاعة و البصيرة وهي أن يكون واقعياً وليس طوباوياً أو حالماً. مثقفنا قارئ رديئ لمتون الثقافة العالمية ولما ترمي إليه , يستعملها و يستهلكها و يتسلق بها لكنه سرعان ما يتنكر لها عندما يوضع في حرجٍ حقيقي.قدمت الثقافة الغربية أرتالا من الشهداء لكي يتسع حقل الحضارة الحديثة و يعيش الإنسان حراً كريماً قوياً ولكي تنعم المجتمعات المتحضرة بنعمة العلم والديموقراطية وحقوق الإنسان و التنمية البشرية ،أما ثقافتنا العربية فلم تقدم إلا النزر اليسير واختبأ مثقفوها وراء متاريس من المصالح و المنافع الخرقاء.المثقف هو الذي يخرج من مفهوم (الوعي الشقي ) والمعذَّب بالمرجعيات اللاهوتية و الشمولية الى مفهوم (الوعي الحديث ) المنقِّب في الأسباب العلمية الحقيقية للظواهر .المثقف هو الذي لا ينادي , مثل الجماهير , بالشعارات سواء ما كان منها شكلياً زائفاً مثل أهداف الامة أو وحدة العمال أو الدين الحق. أو ديموقراطياً برّاقاً مثل حرية الشعب أو الانتخابات و غيرها , بل هو الذي يمحِّص الحقيقة عن كثب والذي لا ينسى حرية الفرد التي يمكن أن تضيع تحت أقدام الديموقراطية أو حرية الراي الخاص تحت أقدام الرأي العام .المثقف ليس المضاد للأميّ او المتطامن مع الاستاذ الجامعي بل هو صيرورة الوعي الخلاّق الذي لا يسمح بمرورالاخطاء و يشير الى فضيحة الجهل أينما كانت . عرفنا في مجتمعاتنا أنماطا بائسةً من المثقفين ، فقد عرفناالأدباء النرجسيين المرتجفين خوفاً من انتزاع احلامهم أو سكينة نصوصهم , و الجامعيين المتبرئين من كل فعل تحرري للعقل و المجتمع وعرفنا المثقفين الفصاميين الذين يعانون من ازدواج أفعالهم المتناقضة في السر و العلن و المتخدلقين بالاصطلاحات الرنانة ومثقفي الحكومة والسلطة و طبالي الترويج الاعلامي وغيرهم كثير ، لكننا لم نتعرف ،إلا فيما ندر، على المثقف الحقيقي المتنور المبدأي الشجاع .ما زلنا نفتقر الى المثقف النافذ العقل والروح والذي لا يساوم على الحقيقة و العلم و الحضارة و التحديث , المثقف الذي لا تصنعه أصابع الدولة أو الحزب أو الاعلام او الطائفة او القبيلة او الدين , بل تهذبه لمسات الوعي الحقيقي و الثقافة الحقيقية القائمة على العلم و التعلم الدائم و تزيد من خصوبة عقله ممارسة الحرية و النظرإليها على أنها الشرط الوحيد للانسان في مجتمعات إنسانية حرة, وهو الذي لا يرى أنه مالك الحقيقة الوحيد لكنه الساهر على تعددها و نفعها للإنسان. لايجب ان نضع شروطاً واضحة للمث
المـهــــــــــــادنُ بــامـتـــيـــــــاز!
نشر في: 15 فبراير, 2010: 06:04 م