TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > الآيديولوجيا والممارسة السياسية

الآيديولوجيا والممارسة السياسية

نشر في: 19 فبراير, 2010: 04:30 م

باقر جاسم محمدكلية الآداب/ جامعة بابلتتعدد حدود الأيديولوجيا و تعريفاتها بتعدد مظاهرها و مصادرها التكوينية و تشابك علاقاتها ووظائفها مع كثير من الظواهر الاجتماعية و النفسية و الاقتصادية و الفلسفية و  المعرفية و الأنساق الرمزية حتى ليمكن القول أن من الصعب، إن لم يكن من  المحال، اعتماد تعريف واحد جامع مانع لها. و يرتبط كل تعريف بمدخل معرفي أو مدرسة فكرية تستند إليه و تتخذ منه موجها ً منهجيا ً في الوصف و التحليل و الاستنتاج. و لو بدأنا بتفكيك مصطلح الأيديولوجيا نفسه،
و هو بالإنجليزية   (ideology) لرأينا أنه يتألف من مقطعين هما: "ideo" الذي يحيل إلى الأفكار، و اللاحقة "logy" المتكررة في مصطلحات كثير من العلوم و التي تحتمل معنيين هما: الأول هو "علم" أو"دراسة "، و الثاني هو الكلام أو"logos". و على ذلك فإن المعنى اللغوي العام للمصطلح هو علم دراسة الأفكار أو الكلام في الأفكار. لكن المعاني الاصطلاحية للفظ ، و هي كثيرة، تتجاوز المعنى اللغوي إلى حد بعيد. و لا يتسع المجال هنا لعرض المعاني الاصطلاحية كافة، و مناقشة وجوه و أسباب اختلافها عن المعنى اللغوي العام و عن بعضها البعض. لذلك سنكتفي بإيراد تعريفنا الذي سنعتمده في هذه المقالة. و هو تعريف يعتمد على كون الظاهرة الأيديولوجية ظاهرة سياسية في الجوهر. فالأيديولوجيا تشير عادة إلى منظومة فكرية و رمزية مبنية على جملة من الأسس و المسلمات التي تتخذها الجماعة البشرية، التي قد تكون جماعة دينية أو عرقية أو طبقية أو جهوية أو فئوية، منطلقا ً و منهجا ً لها في العمل السياسي و الاجتماعي و الثقافي في مرحلة تاريخية معينة. و تسعى هذه الجماعة إلى دعم هذه المنظومة الفكرية و الرمزية و نصرتها بكل السبل المتاحة إزاء المنظومات الفكرية و الرمزية المنافسة لها داخل المجتمع. و هذا يوضح الجانب الصراعي الضمني العميق المتلازم مع الجانب السياسي الظاهري للأيديولوجيا.تؤدي الأيديولوجيا وظائف مختلفة. فعلى المستوى النفسي، تكون وظيفة الأيديولوجيا توفير الشعور بالانتماء الحميم و الوحدة لأفراد الجماعة التي تعتنق الأيديولوجيا نفسها فيحل مفهوم "النحن" بدلا من مفهوم " الأنا"، مع ما يوحي به هذا الانتماء من قوة تكون الذات الفردية عادة بحاجة ماسة إليها، و ما يعد به من امتيازات مادية و معنوية و رمزية. و قد تشكل الأيديولوجيا جزءا ً مهما ً من العقل الجمعي فتكون بمثابة أيديولوجيا إطارية عامة سائدة في المجتمع كما هو الحال بالنسبة للفكر الديني في المجتمعات التي تسود فيها ديانة واحدة، و إن كان هذا لا يعني خلو الساحة نهائيا ً من أية أيديولوجيات فرعية أخرى أقل انتشارا ًَ. و عموما ً، يمكن القول أن الأيديولوجيا الأطارية تنزع إلى القيام بمهمة اللحمة الرابطة للمجتمع، بينما تنزع الأيديولوجيات الفرعية إلى تعزيز عناصر الخلاف في المجتمع نفسه من خلال توكيدها على الرؤيا الخاصة و سعيها إلى تغيير المجتمع طلبا ً لما يجعل منها مسوغة تاريخيا ً. إذن، على المستوى الاجتماعي، تقوم الأيديولوجيات الفرعية بوظيفة تجسيد الوعي الطبقي أو الديني أو المهني لمكونات المجتمع المختلفة و تمثيل إراداتها السياسية العامة فيما يخص المشكلات التي يعاني منها المجتمع، و ذلك من خلال برامج و تنظيمات سياسية و حزبية تميزها عما سواها.و تختلف الوظيفة الأيديولوجيا على المستوى السياسي و الدعائي بين مرحلة ما قبل تسلم السلطة و مرحلة ما بعد تسلم السلطة. ففي المرحلة الأولى تعمل الأيديولوجيا، بواسطة معتنقيها، على نقد السلطة القائمة و نقد الأيديولوجيا التي تستند إليها تلك السلطة لغرض إظهار تناقضاتها و عيوبها و تعبئة الرأي العام لإزاحتها و الحلول محلها، أما بواسطة الانتخابات، أو بالقوة عبر الثورات و الانقلابات العسكرية. وأما أن يتحقق لها ذلك حتى تبدأ وظيفة المرحلة الثانية المختلفة تماماً عن وظيفة المرحلة الأولى. و سيكون أهم مظاهر وظيفة الأيديولوجيا في هذه المرحلة الدفاع عن السلطة الجديدة و إجراءاتها و إنكار أخطائها أو تسويغها أو التهوين من شأنها إن لم تستطع أن تدافع عنها. و يترافق مع ذلك دعوة الناس إلى دعم السلطة القائمة الجديدة من جهة، و التحلي بالصبر و تفهم الظروف قبل المطالبة بتحقيق الوعود التي بذلت قبل تسلم السلطة وعدم الانجرار مع خصومها الأيديولوجيين أو الاستماع إلى أقاويلهم. و لعل هذا الفهم يكشف الطابع النفعي للأيديولوجيا و افتقارها إلى البعد الأخلاقي بحكم ارتباطها بالسياسة. و هذا الكلام وصف للأيديولوجيا و ليس نقدا ً أو تقويما ً لها.و سواء أكانت الأيديولوجيا وعيا محدودا ً و زائفا كما يذهب إلى ذلك ماركس، أو إطاراً وحدا ً و مشابها ً للوعي الجمعي للجماعة البشرية كما يقول الأنثروبولوجيون، أو أنها تتجسد في كل ما لا ينتمي إلى حقل مقولات العلم من أفكار، كما هو الحال في الفهم المعرفي للمصطلح، فإننا نلاحظ أن أهم خصيصة للأيديولوجيا هي أنها ليست من النوافل أو مما يمكن الاستغناء عنه. فهي ضرورة مطلقة للإنسان بوصفه كائنا ً اجتماعيا ً حتى ليمكن لنا أن نصل إلى توكيد أهميتها بأن نقلب الأمر و نعرف الإنسان بأنه كائن أيديولوجي. إنها حاجة أساسية للفرد لأنها تأتي بالمرتبة الرابعة بعد الحاجة إلى الطعام و إلى الجنس و إلى الأمان. و هي حاجة أساسية للمجتمع أيضا ً لأنه لا يمكن ت

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram