TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > عداوة الشعراء.. صداقة الشعر.. أدونيس

عداوة الشعراء.. صداقة الشعر.. أدونيس

نشر في: 19 فبراير, 2010: 06:27 م

صلاح عبد الصبور وأنا من ( جيل) واحد. بل من عمر واحد، تقريبا. ليسبيننا، كتابة أو سياسة، أي شيء مشترك. لكننا، مع ذلك، مؤتلفان في الأفق الذي يؤسسه الشعر. كأن بيننا ما يمكن أن أسميه، شعرياً، صداقة العداوة، وما يمكن أن أسميه، حياتياً، عداوة الصداقة.أليس هذا ما ينطبق، في الحالين، على العلاقات فيما بين الشعراء، بعامة؟ فأنت كشاعر "عدو" للشاعر الآخر، بطبيعة كتابتك الشعرية، لأنك تكتب ذاتك الخاصة، وتكتبها بطريقة مغايرة.
وأنت، في الوقت نفسه صديقه لأنك سائر في أفق الشعر الذي يسير فيه، تسكنك الهواجس الإبداعية ذاتها التي تسكنه، ففي هذه الهواجس التي هي أساسياً، أسئلة تطرح على العالم، 1يتلاقى الخلاقون السائلون، فيؤلفون، على تباينهم، (أرضاً) واحدة - يتباعدون فيها، متجاورين، ويختلفون مؤتلفين.لكن ما أفجع المفارقة هنا: كأننا، في الحالين، نحتاج جميعاً إلى الموت لكي يوثق الصداقة بحصر المعنى- الصداقة بين الإنسان والإنسان. فكأن الموت الذي يجتاح الحياة هو الذي يعلمنا أن نحبها، وكيف- أعني أن نحب طاقتها الأولى، وأجمل " وأكمل تعبير عنها: الإنسان، بذاته ولذاته. أليس الموت، إذن، الشعر الآخر الذي لا يكتشفه أكثرنا إلا بعد فوات الأوان؟2أن تكون اللغة في مستوى الأشياء، تلتصق بجلدة الحياة، المكسوة بغبار الأيام وتعب التأمل- ذلك هو الباب الذي دخل منه صلاح عبد الصبور إلى الشعر. أو لنقل إنها من سلالة شعرية تنحو هذا المنحى. وكان، في علاقته مع هذه الأشياء، يؤثر الوشوشة على الصراخ، والمؤالفة على المنابذة، والرضى على الغضب، في مناح من الحساسية شبه الفاجعة. وفي هذا ما ي!جعلني أميل إلى أن أصف شعره بأنه وسط لمسرجة الكآبة. وللهوامش مصادفات الذاكرة: زهرة هنا أكثر ذبولا، زهرة هنالك أقل عطشا.ربما لذلك يمكن القول إننا لا نجد في "جيلنا" (لا أحب هذه الكلمة في الحديث عن الشعر)، من احتضن الطمي التاريخي- طمي الانسحاق، والصبر النبيل، والغبطة التي لا تكاد تتميز عن الفجيعة، أو الفجيعة التي لا تكاد تتميز عن الغبطة، والجسد الذي ينتظر، بحكمة الدهر، أن يتحول إلى رقيم في المملكة ا الهيروغليفية- مملكة السر، ومن سافر في أغواره واستنطقه،- أقول ربما لا نجد من فعل هذا كما فعله صلاح عبد الصبور. دون ادعاء - كأنه هو نفسه نخلة أو نافذة أو زهرة.3أما اختلافنا؟لكن، أليس جوهريا للشعر أن يختلف الشعراء في النظر إليه، وفي كتابته؟بلى، ذلك أن الشعر تعدد لا وحدة. فلئن كان من شيء نقيض للأحدية، فهو الشعر. والاختلاف هنا يكشف عن هذا التعدد ويؤكده. لكنه لا "ينفي" كما يتوهم بعض "المقاولين" في سوق (النقد)، وبعض الذين "يقرضون" الشعر كأنهم يكتبون (فروض إنشاء مدرسية)، وإنما (يثبت)، وهو "لا يسلب"، بل (يوجب).كيف يرى شاعر إلى الحياة والعالم: ذلك هو امتداد لذاته. ذلك هو وجوده،وقد صيغ كلاما. إن شاعرا آخر نقيضا يحتاج إلى ذلك الامتداد، لكي يزداد فهمه لذاته وللعالم. فالآخر وجه للذات: صوت كاشف ودفع يحرك ويكمل.حين أقول، في هذا المستوى، إنني أختلف كشاعر عن الآخر، فإن قولي هذا لا يعني إنقاصاً من شعره، أو طعناً فيه. إنه يعني، بالأحرى، أنني أتبارى معه، من أجل المزيد من الكشف، في طرح الأسئلة على العالم، الأسئلة التي هي رئة الكتابة الإبداعية. 4كان حوارنا، صلاح عبد الصبور وأنا، يدور حول قضايا كثيرة: مضمراً، حيناً، مداورة حيناً آخر، صامتاً في الأغلب. ونادراً ما كان علنيا- إلا من جهته هو، حيث كان يشير إلي، في أحاديثه الصحفية، ناقداُ بنوع من التهجم كنت أستغربه خصوصاً أنه كان يأخذني لطفه وتواضعه، حين كنا نلتقي، في بيروت أو القاهرة. وأذكر أنه، في حديثه، كان يحرص على قول رأيه، باحترام للرأي المخالف.وكان، في حدود خبرتي، لا يمارس أسلوب الطعن بالآخرين والكذب عليهم، كما يفعل عدد من "الشعراء ". ومن هنا كنت أفاجأ، حين أقرأ بعض أحاديثه في الصحف، لأنها تقدم، في ما يتعلق بي، صورة مختلفة عن صورته التي أعهدها، في لقاءاتنا. وكنت أقول في ذات نفسي: لماذا لم يناقشني، مرة واحدة، وجها لوجه، بما يثيره علي في أحاديثه هذه؟ ثم أجيب: لعله يريد أن يستدرجني إلى نقاش علني؟ أم أن "مرض التهجم" الذي يوجه الصحافة الأدبية العربية ويغذيها، استطاع أن يصل إليه؟ في كل حالي، كنت أقرأ وأصمت، إذ ليس من عادتي ولا من طبيعتي أن أدخل في جدالي، أو أن أرد على أقوال الآخرين عنى، مهما كانت جارحة. ومع ذلك فإن هذه الظاهرة لم تؤثر على موقفي منه، ولم تقلل شيئاً من الاحترام الذي أكنه له، شاعرا وشخصاً.كذلك، لم يكن يخفي إعجابه ببعض الشعراء أو ببعض القصائد. وأذكر، دائماً، بين المقالات التي كتبت عن "ديوان الشعر العربي" ومقدمته، مقالته الكريمة، المحبة أذكر أيضاً سهرة جمعتنا معا في القاهرة، طلب فيها إلى الشعراء الحاضرين أن يقرأ كل منهم شيئاً من شعره. وحين جاء دوري، رغب إلي بإلحاح، أن أقرأ ما كتبته عن الحسين (المسرح والمرايا، 1968): مقطوعات صغيرة كتبتها في القاهرة، وتحديداً حول مسجد الحسين. وفي حين أبدى إعجابه الكبير بها، كان، فيما يبدو لي، يتحفظ إزاء قصائد أخرى تشبهها، فنياً. وتساءلت: إن كان معجبا بهذه المقطوعات، فلماذا لا يعجب بما يشابهها؟ وفي محاولة لتفسير هذا التناقض، كنت أقول: ثمة نوعان من الإعجاب

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. هاشم بابكر احمد

    انا شخصيا لا تعجبني طريقة كتابة ادونيس للشعر.. احس بها تهويمات غير مفهومة اكثر من كونها قريضا.

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram