جلال حسن يبدأ من خلفية دبابة تولي الادبار، تمضي بسرعة، تتوارى، وتضيع في السراب، يملأ المكان اولادا يتسمرون بدهشة لا متناهية ، وبأقدامهم الحافية يمسحون اثار سرفة الدبابة المرسومة على الارض بتقاذف كرة قدم بيضاء، ليس هناك عوارض، انما هناك فرح كبير في عيون الاولاد وشعوربالسعادة والاطمئنان، ثم ترسم كلمات كبيرة على شاشة صغيرة تقول وبخط نسخ أنيق واضح (يمضون .. ونبقى) .
هذا هو اعلان استطاع ان يقنع بدلالة إيحيائية ، التهيؤ لفعل سياسي هو انسحاب القوات الامريكية من العراق، وهذا ماحدث بالفعل في الثلاثين من حزيران الماضي، بل وكأن الاعلان بيان توضيحي يؤكد بل يطمئن من يشاهده بأن معاهدة دولية على حيز التنفيذ قريبا، وان الامر واقع حال، ونفذ بالفعل . الاعلان روجت له فضائيات عراقية وعربية محترمة، ومن التي تمتاز باهتمام المشاهدين، وتحاشت جهة الاعلان بثه في فضائيات مشكوك بها، او تقع في خانة الريبة للمشاهد او حزبية او طائفية . من هنا يمكن القول، ان الاعلان الناجح هو الذي يستطيع ان يؤثر في جميع فئات المجتمع بدلالة الاقناع ، وانساق التأثير ويدخل الاعماق بطريقة غير مباشرة، وبلمحة عابرة لا تفاجئ المتلقي للوهلة الاولى ولكن حينما، يستريح في خلوته يباغته بفعله الانطباعي من وقت النظرة الاولى ، لانه يأتي تلقائيا من دون تكلف او تزويق او مبالغة، انما قوتة تاثيره في بساطته وعمق تعبيره وتكراره.حين بدأت حملات الاعلان للمرشحين الجدد لمجلس النواب بوسائلها المختلفة لم نجد اختلافا بالتعبير فما نشاهده في الشوارع ،وعلى الواجهات هو نفسه ما يعرض في التلفزيون ونسمعه في الاذاعة ونقرأه في الصحف اليومية او حتى في المواقع الالكترونية، مع اختلاف بسيط تفرضه طبيعة الوسيلة الاعلانية. ثمة مشتركات تفتقد للقيمة التعبيرية فجميع المرشحين يرتدون البدلات الرسمية بربطات عنق لامعة، ومنهم من ينظر بشزر ويقطب حاجبيه على انه سيحاكم الطغاة على افعالهم الشنيعة واخر يشير بسبابته وبتعبير انفعالي الى حالة تشخيص كأنها اتهام، واخر يؤدي التحية بابتسامة عريضة ونظرة حالمة الى المستقبل ،وما اكثر الصور الشخصية الملتقطة مع رؤساء القوائم، صور لا يوجد فيها أي فعل تلقائي ، وتشترك جميع البوسترات بوضع ساعة تشير الى الثامنة فضلا عن استخدام الكلمات الرنانة، خصوصا في الوعود والضمانات والانجازات والقضاء على الازمات المستفحلة واستخدام مفرط لكلمات الجرأة، والقوة، والحزم، والوضوح والاعتدال، والصدق، وضمان الحقوق، واصلاح ما افسده الاخرون، ومواصلة المشوار. فضاع التماثل في التشابه العام والهدر في الجهد والضعف في الاشارة، ليست المشكلة في ضعف اعلان المرشح عن نفسه واقناع الاخرين، انما المشكلة في عدم وجود خطاب يفصح عن فهم برنامج المرشح، وآليته التنفيذية، وهو الذي يهمنا معرفته -نحن الناخبين- لكي نبصم له. jalalhasaan@yahoo.com
كلام ابيض : صناعة الإعلان
نشر في: 20 فبراير, 2010: 06:13 م