رفعة عبد الرزاق محمد العراق، بلد الحضارة والتراث الانساني الخالد، وفيه نشأت اقدم المحاولات الانسانية لتنظيم الحياة من حقوق وواجبات، فصدرت اقدم الشرائع فاذا كانت شريعة حمورابي قد اخذت حقها من الخلود في الذاكرة الانسانية فقد كشف المنقبون في الاربعينيات من القرن المنصرم عن شريعة سبقت شريعة حمروابي باكثر من مئة وخمسين عاما،
هي شريعة (لبث –عشتار) غير ان ذلك الاكتشاف لم تدم الفرحة به ففي السنة التالية (1948) اكتشف العلامة طه باقر ، الاثاري العراقي الكبير في تل حرمل لوحين يدلان على ان شريعة اخرى اقدم من شريعة (لبث –عشتار) وقد سميت بشريعة (أشنونا) نسبة الى المملكة التي شرعت تلك النصوصوهكذا فأن ارض العراق شهدت أولى المحاولات الانسانية لأصدار الشرائع التي تنظم حياة الناس وتحمي حقوقهم وتحدد واجباتهم.. على ان اهم ما في ذلك ما يتصل بحديثنا عن الحياة النيابية في العراق، ان يذكر كتاب ششهير في بابه هو كتاب (من الواح سومر) لصموئيل كريمر ان يظهر في العراق اول برلمان في تاريخ البشرية فمن خلال قراءة الالواح التاريخية المكتشفة والتي كانت بمثابة سجل لمجلس سياسي انعقد قبل خمسة الاف عام، ورد فيه ان اول برلمان معروف في تاريخ الانسان المكتوب قد التأم في جلسة في حدود ثلاثة الاف عام قبل الميلاد وقد كان مجلسا مكونا من مجلسين للشيوخ وللعموم أي مجلس للاعيان واخر للنواب، وعندما عرض الملك قضية الحرب على المجلس الاول كان الرأي بجانب السلم فلم يقتنع الملك بذلك وعرض الامر بعد ذلك على مجلس العموم فاعلن هذا المجلس الحرب من اجل الحرية وصادق الملك على قراره. وهكذا شهدت تلك البلاد المعروفة قديما بأسم سومر الواقعة بين نهري دجلة والفرات انعقاد اول مجلس سياسي معروف وذلك في الالف الثالث قبل الميلاد، فلا غرو ان تكون حضارة سومر هي ارقى الحضارات الانسانية في ذلك العهد من تاريخ البشرية. لم يعرف العراقيون الانتخابات النيابية الا في اواخر العهد العثماني وبعد ان اعلن الدستور للدولة العثمانية عام 1876 وقد سميت هذه المرحلة بالمشروطية لأنها حاولت ان تقضي على نظام الحكم المطلق وان تجعل حكم السلطان العثماني مشروطا بمراعاة القيود المقررة في القانون الاساسي او الدستور وكما كان العراق جزءاً من الدولة العثمانية فقد سرى العهد الدستوري عليه مثل باقي ارجاء هذه الدولة، وبموجب هذا الدستور كان مجلس الامة يتألف من هيئتين تسمى احداهما هيئة الاعيان يعين اعضائها مدى الحياة، والثانية تسمى مجلس المبعوثان ينتخب اعضائها من بين الناسن ولابد من القول ان هذا الانجاز الفريد في تاريخ الدولة العثمانية كان ثمرة جهود نخبة من احرار الدولة العثمانية برئاسة مدحت باشا الصدر الاعظم في هذه الفترة. وقد اتفق مع السلطان عبد الحميد الثاني قبل مبايعته على اصدار دستور للدولة العثمانية يجاري التطورات السياسية العالمية، ومن الطريف ذكره ان احد اعضاء مشروع الدستور العثماني كان عراقيا من اصول كردية هو السيد محمد امين أفندي الزند، اذ كان عضوا في مجلس شورى الدولة وقد ولد في بغداد ونشأ فيها فسمي بمحمد أمين الغدادي، وكان قد عين مفتيا ببغداد قبل ذهابه الى عاصمة الدولة العثمانية وتعينه عضوا في مجلس الشورى ثم عضوا في مجلس الاعيان في دورته الاولى وتوفي عام 1891...غير ان انتخابات مجلس المبعوثان التي جرت لأول مرة لم تكن انتخابات بالمعنى الدستوري الصحيح، ففي كل ولاية من الولايات العثمانية انتخبت المجالس البلدية فيها النواب ولم ينتخبهم الناس وذلك لعدم وجود قانون الانتخابات الخاص بمجلس المبعوثان اذ شرع هذا القانون فيما بعد، وقد انتخب عن ولاية بغداد ثلاثة نواب وعن ولاية البصرة نائبان وعن ولاية الموصل نائب واحد وكما يلي: نواب بغداد: رفعت بيك وهو جد ناجي شوكت رئيس الوزراء في العهد الملكي. عبد الرزاق الشيخ قادر، عميد اسرة تجارية كبيرة في بغداد. مناحيم صالح دانيال وهو ثري يهودي نواب البصرة: عبد الرحمن الزهير ومحمد العامر.نائب الموصل: عبد الرحمن وصفي بيك آل شريف. وقد عقد البرلمان اجتماعه الاول في 19 اذار عام 1877 وكان اجتماعه الثاني في 11 كانون الاول من العام نفسه. وفي 14 شباط من عام 1878 وصدرت الادارة السلطانية بوقف العمل بالدستور وتعطيل البرلمان الى اجل غير مسمى وامتد هذا الاجل الى عام 1908 حين وقع الانقلاب الدستوري بقيادة (جمعية الاتحاد والترقي) واعلن عن عودة العمل بدستور عام 1876 وصدرت الاوامر بانتخاب النواب لمجلس المبعوثان واطلقت الحريات العامة ودخلت الدولة العثمانية في عهد جديد هو العهد الدستوري الثاني.. فوجئ العراقيون باحداث الحركة الانقلابية في عاصمة الدولة العثمانية وجذب انتباههم الشعارات التي رفعها الانقلابيون وهي (الحرية، العدالة، المساوات) يقول توفيق السويدي في مذكراته، ان اهل العراق كانون لايعرفون يومذاك شيئا عن تلك المفاهيم ولا يحيطون حتى بجزء من معانيها والمفهوم الوحيد الذي كان ظاهرا لدى الجمهور هو ان هذا العهد الجديد سيجعل المسلم وغير المسلم سواسية وانه سيحد من سلطة الخليفة عبد الحميد وهذا ما لايرضاه احد منهم... وتذهب الدراسات التاريخية الحديثة الى ان استقبال الناس للعهد الدستوري كان عل
الحياة النيابية في العراق
نشر في: 21 فبراير, 2010: 04:54 م