TOP

جريدة المدى > سينما > "رسائل البحر" لداود عبدالسيد..شاعريـــة سيـنمـا المـؤلــف

"رسائل البحر" لداود عبدالسيد..شاعريـــة سيـنمـا المـؤلــف

نشر في: 24 فبراير, 2010: 06:28 م

هشام بن الشاويبكثير من الشجن والشاعرية والبراءة المفتقدة، يرصد المخرج المصري داود عبد السيد في فيلمه الجديد"رسائل البحر" (بطولة آسر ياسين، بسمة، محمد لطفي ومي كساب) التحولات العاصفة بمدينة كوزموبوليتية كالإسكندرية، مكانًا وأناسًا..
من خلال ثلاثة نماذج تكابد الاغتراب : يحيى (آسر ياسين) الطبيب الشاب الذي ينحدر من طبقة ارستقراطية، التي ستنهار أمام غول الانفتاح الاقتصادي وصعود طبقة  محدثي النعمة، متمثلة في الحاج هاشم (صلاح عبد الله). فنرى الأخ الأكبر ليحيى يهاجر إلى أمريكا، وكان  يحيى خيبته الكبرى، فهو دكتور مع إيقاف التنفيذ.. إذ بسبب التأتأة يضطر أن يترك الطب، لأنه كان مثار سخرية المرضى وزملائه الأطباء، ويحترف صيد السمك.. أما نورا (بسمة) في أجمل وأرق  وأرقى أداء لدور المومس في السينما العربية، والبودي غارد أمين (محمد لطفي)، والذي استطاع المخرج أن يحرره من الدور النمطي الذي سجن فيه، دور الممثل الثانوي الكوميدي، فقدمه بشكل مغاير، رغم ضيق حيزه.من خلال المشاهد الأولى للفيلم، يدرك المشاهد أنه أمام  سينما الحنين والنوستالجيا، أمام عمل إبداعي  ينتمي إلى سينما المؤلف، وهو ما تشي به الموسيقى التصويرية، تفرد الصورة/المشهد -  والتي ستبلغ ذروتها في مشاهد الليل الممطر والعواصف البحرية-، وكذلك الألوان الشاحبة التي تتلائم والمناخ النوستالجي، بكل شفافيته وشجنه. من خلال بدايات الفيلم، نلمس حيرة المؤلف داود عبد السيد وتشتته أمام تدفق الذكريات، مما أغرق الفيلم في نوع من التمطيط، وفقدان السيطرة على خيوط "الحكاية"، ويمكن اعتبار البداية الحقيقية للفيلم،  حين تعرف  يحيى على أمين، حيث سيصطحبه إلى غرفته السطحية، بعد أن أغمي عليه من فرط شربه. ثم إلقاء القبض عليه، بعد أن ابتهج بمعزوفة بيانو، وبدأ يصفق، ويفرج عنه الضابط،  لأنه من أسرة  ارستقراطية، ويواظب على الاستماع إلى تلك الموسيقى  المنبعثة من نافذة مضاءة، في كل ليلة، دون أن يرى العازف أو العازفة، ويلتقي نورا، وهو يتمشى ليلا تحت المطر، فتدعوه للاحتماء بمظلتها من المطر.. في بيته، تتصرف نورا كعاهرة، لكنه يبدو  غريب الأطوار، ساذجا، مبالغا في رقته وبراءته، يخبرها بوجود غرفة أخرى، وحين تقتحم فراشه،  يصارحها أنه لا يملك المال، يخرج من جيبه عشرينا جنيها، يسألها كم تحتاج، ويقترح عليها أن تأخذ عشرة جنيهات، والباقي سمكا. نفس الجمود العاطفي سيصادفه مع صديقته وجارته الإيطالية الشابة كارلا، هذه الشخصية التي  يبدو أن عبد السيد لم يبتكرها إلا من أجل  الحديث عن الشذوذ الجنسي (الساحق)، وبشكل سطحي، دون تشريح هذه الظاهرة، والتي تزداد استفحالا، يوما بعد يوم.. أما الحدث الأغرب وربما السريالي، فهو عثور يحيى على رسالة داخل زجاجة، ولا يعرف اللغة التي كتبت بها، رغم استعانته بالأجانب  المقيمين بالإسكندرية. وسنتساءل عن جدوى هذا الحدث، والذي يحمل الفيلم اسمه، وما علاقة الأحداث برسالة البحر؟ في اللقاء الثاني مع نورا، يرفض  معاشرتها، حتى لا يستغلها، لأن لا مال معه، أما هي فتنجذب إليه، لأنه مختلف عن بقية الرجال. هكذا سيلعب الحب لعبته، وفي احتفال ليلة رأس السنة الميلادية،  تغادر معتذرة بأنها على موعد مع زبون، يعرض عليها المال لكي تبقى معه، فترحل  منفعلة، قائلة بأنه لا يفهم شيئا، فعلاقتها به ليست من أجل المال، وحين تركت الهدية في الخارج، يتم الاعتداء عليه من طرف الشرطة، معتقدين أنه سارق الجهاز، ويتمنى أن يكون بنفس قوة صديقه أمين، بشكله المخيف وضخامته، التي يعتبرها -أمين- سبب تعاسته ونفور/ خوف الآخرين منه، كما أن لا أحد يشغله، ولا عمل متاح له سوى كـ"بودي غارد"، ولا أحد يرى ذلك الطفل المسالم، الرافض للعنف، المختبئ خلف مظهره القاسي. تتطور العلاقة بين نورا ويحيى، فترفض الزواج به،  لأن عدة رجال يعرفون تفاصيل جسدها، فتختار أن تجهض نفسها.. تسقط جنينها منه لكي تنساه وتقطع صلتها به، وفي مشهد موازٍ نرى  أمين يستعد لإجراء عملية جراحية في الدماغ، لكنه يهرب من غرفة العمليات، بعد أن علم بأنه سيفقد الذاكرة، وسينسى كل شيء، ويقنعه يحيى بضرورة إجراء العملية حتى لا يموت، ويلجأ إلى سرد ذكرياته لصديقته بيسة (مي كساب).أما الرسالة فتبقى غامضة بالنسبة ليحيى، بسبب لغتها غير المعروفة، فهي قد  تكون صلاة راهب أو قصيدة غزل أو رسالة بحار إلى أهله، لكن المؤكد "أنها رسالة من البحر إليك"، كما تقول له  نورا، وهما في المشهد الأخير، على مركب وسط البحر، المغرق في تفاؤله، رغم كل الخسائر. لقد استطاع داود عبد السيد، ومن خلال ثلاث شخصيات موغلة في شاعريتها وإنسانيتها، وهو المقل في أعماله المسكونة بهواجسها الجمالية، أن يبث - عبر رسالة الفيلم- أبجديات خوفه على ذاكرته/ذاكرتنا من التلف والعطب في زمن الاغتراب والاختلالات، حتى لا نضطر إلى كتابة رسائل قد لا يفهمها الآخرون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر

ترشيح كورالي فارجيت لجائزة الغولدن غلوب عن فيلمها (المادة ): -النساء معتادات على الابتسام، وفي دواخلهن قصص مختلفة !

تجربة في المشاهدة .. يحيى عياش.. المهندس

مقالات ذات صلة

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر
سينما

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر

علي الياسريمنذ بداياته لَفَتَ المخرج الامريكي المستقل شون بيكر الانظار لوقائع افلامه بتلك اللمسة الزمنية المُتعلقة بالراهن الحياتي. اعتماده المضارع المستمر لاستعراض شخصياته التي تعيش لحظتها الانية ومن دون استرجاعات او تنبؤات جعله يقدم...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram