عامر القيسيفي الحافلة والبيت والمقهى ومكان العمل والجامعة والمدارس والشارع ايضا تضج الحياة العراقية بحوارات من نوع خاص ، انها حوارات الانتخابات ، وتكتشف على حين غرة الكثير من خامات المحللين السياسيين بما في ذلك جاري ابو محمد الذي ترك عادة الاسئلة سيئة الصيت وانتقل الى خانة المحللين الذين لايشق لهم غبار. حوارات تتحدث عن التأريخ والجغرافية والمجتمع والاحتمال،
حوارات مبنية على اساس السبب والنتيجة ، فهذا سينتخب علاوي لانه كما قالت له زوجته سيلبسها "الملاوي" والآخر سيصوت للمالكي لانه لن يبقي مواطناً "شاكٍ" وسائق خط مدرسة ابنتي يريد الجعفري لان كلامه "يسري"، وعلى هذا المنوال تتوالى اختيارات الشريحة الشعبية وتعليقاتها اللاذعة ضمن اجواء برلمانية مشحونة ويحاول الكثير من الساسة توتيرها وصولا الى تخريب الانتخابات أو منع اجرائها . جاري ابو محمد اقتنصني لحظة خروجي من البيت متوجها للعمل وناكدني قائلا : سألتك البارحة لمن اعطي صوتي فاخذتني شمالا ويمينا وسخرت مني ولكني اقول لك باني اتخذت قراري . وهو مراقبة الجميع وتتبع كلامهم وافعالهم ولن احسم موقفي من التصويت الا صباح السابع من آذار . قلت له " حلو كلام جميل " ثم راح يخوض في عالم السياسة لاكتشف لاول مرّة ان الرجل ليس سهلا ولا ساذجا ولديه رؤية عميقة للواقع السياسي العراقي رغم بساطة المفردات التي يستخدمها لايصال افكاره الى المتحدث ، فهو يتحدث عن التدخلات الخارجية حديث الواثق والعارف ببواطن الامور وهو لايستثني احدا كما يقول شاعرنا الكبير مظفر النواب ، وحين يحدثك عن شراء الاصوات بالمال والبطانيات تكاد تصدفق بانه مهندس هذه الفتوى وراعيها لما يقدمه لك من ادلة وبراهين عن اتساع ظاهرة شراء الاصوات التي تمارسها بعض الكتل والاحزاب الكبيرة والغنية ، وتتعجب صراحة من حديثه عن الصراعات بين الاطراف السياسية ومحاولات التسقيط السياسي التي تجري هنا وهناك من دون خجل ، ويخوض ابو محمد من المساحات التي لم يكن يقترب منها لانها كما كان يقول "تحرق الاصابع " ويقصد الوضع الامني وتداعياته ، فهو اليوم يتحدث عن عمليات اغتيال تجري هنا وهناك لترويع الناخب والمنتخب من اجل افشال التجربة الانتخابية ، وانطلق ابو محمد مغردا في فضاءات السياسة كأي سياسي محترف من الطراز الرفيع . حدقت في وجهه مستغربا وسألته : "عيوني ابو محمد عيوني ابو محمد شوكت تعلمت كل هذا الحجي " فاجابني دون لحظة تفكير : استاذ الحياة علمتنا كلشي والظروف التي نعيشها اليوم ساعتها بسنة. ثم اوضح لي الرجل بان زبائن المقهى يتناقشون بالسياسة وهم يلعبون الدومينو بكل روح ديمقراطية وانه يتناقش بالسياسة مع اي ضيف يزوره ويناقش ويستمع في كل مكان يتواجد فيه وبروح ديمقراطية ، الاان ابو محمد صمت فجأة واحسست في قلبه سرا أو شيئا اراد ان يقوله ثم توقف " احجيها بصراحة ابو محمد " تردد لحظة ثم قال:استاذ اني احجي بالديمقراطية هواية بس آني بالبيت ساكمهم سكم بيدي الريمونت وأقلب بالمحطات الفضائية الى ان ينام العيال وهاي موديمقراطية لاني حارمهم من المسلسلات التركية التي يسمعون اخبارها من زوجتك يوميا !!
انتخبوا وغيّروا ..حوارات ديمقراطية
نشر في: 24 فبراير, 2010: 07:46 م