رشيد الخيُّون(1 -3)طموحُ السَّيفِ لا يَخشى إلهـاًولا يَرجو القيامَة والمعـــادا( )في المستهل أقول: ليس هناك دولة، من العالم القديم، ومنها في عالمنا، لم تنسب وجودها وشرعيتها إلى الله تعالى، وأن قوانينها هي قوانين الله. لكن في حقيقة الأمر ليس شيء من عدالة السماء تحقق أو يتحقق،
إنه شعار يُرفع لإخضاع النَّاس للمقدس لا أكثر. كم من دماء سفكت، وحرمات هُتكت تحت هذا المبرر. جاء في شريعة حامورابي (1792 - 1750 قبل الميلاد)، وتُعد شريعة هذا الملك الأولى في التاريخ، بهذا الشمول: (عندما حدد (آنو) المتعالي، ملك الأنوناكي، و(أنليل) سيد السماء والأرض ومقرر مصير البلاد لـ(مردوخ) الابن الأكبر لأيا، الحكم على جميع النَّاس، وجعلاه سيداً على الأجيمي، وأطلقا اسمه على بابل، وجعلاه أقوى ما في الجهات الأربع، وأقيمت له في وسطها ملكية خالدة بأسس راسخة، رسوخ السماء والأرض، في ذلك الوقت جعلاني.. أنا حامورابي.. الأمير الورع، خادم الآلهة، لأظهر الحق في البلاد)( ). وبهذا كانت الشريعة الشهيرة شريعة الإله لا شريعة الملك الإنسان. وخشية وتحسباً من التكفير، وبالتالي القتل، حسب المنطق السالف، عندما قَدم الشيخ علي عبد الرازق (ت 1964) على إصدار كتابه (الإسلام وأصول الحكم)(1925) استهله بالشهادتين، على غير ما جرت عليه العادة في كتابة خُطب الكتب والمصنفات، وتأكيد عبوديته لله وإيمانه بالرسالة والملائكة، على أمل قطع الطريق على مكفريه، وهو يتحدث عن عدم وجود أو وجوب الإمامة أو الخلافة، وبالتالي الدولة الدينية، ومع ذلك لم يعتقوه، فلم يرد عليه مجلس المحاكمة (كبار العلماء) التحية( )، مع أن آية التحية لم تحدد نوعية الإنسان، الذي يُلقيها، وأمرت الله فيها ردها وبأحسن منها، قال: "وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا"(النساء، آية: 84).وفي المستهل أيضاً أود التذكير بمقولة للإمام علي بن أبي طالب (اغتيل 40 هـ)، قالها لابن عمَّه عبد الله بن عباس (ت 68 هـ)، وهو يهم بإيفاده إلى الاجتماع بالخوارج ومناقشتهم في أمر انشقاقهم عنه: (لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمّال ذو وجوه، تقول ويقولون. ولكن حاججهم بالسُنَّة فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً)( ). ويشرح ابن أبي الحديد (ت 656 هـ) هذه الوصية بالقول: (ذلك أن القرآن كثير الاشتباه، فيه مواضع يُظن في الظاهر أنها متناقضة متنافية)( ). وهناك مَنْ يعدُّ ذلك القول من الحديث النبوي: (القرآن ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه)( ). وكلا الشارحين ابن أبي الحديد، والشيخ محمد عبده (ت 1905) هما من أهل السُنَّة، فالأول، وإن كان هواه علوياً، إلا أنه كان معتزلي الأُصول شافعي الفروع.نقول: حتى السُنَّة النبوية هي حمالة ذات وجوه، فكل طائفة اختلقت، أو روت، الأحاديث التي تجابه بها الطائفة الأخرى، فلأهل السُنَّة كتب عديدة، من أبرزها الكتب الستة: (صحيح البخاري)، و(صحيح مسلم)، و(سنن أبي داود)، و(جامع الترمذي)، و(سُنَّن النسائي)، و(سُنَّن ابن ماجة)، ومصنفوها: محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 هـ)، ومسلم بن الحَجَّاج (ت 261 هـ)، وسليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 هـ)، ومحمد بن عيسى الترمذي (ت 279 هـ)، وأحمد بن شعيب النسَائي (ت 303 هـ)، ومحمد بن يزيد ابن ماجة القزويني (ت273 هـ). أما الشيعة فعندهم الكتب السبعة، أربعة منها للمحمدين المتقدمين الثلاثة: (الكافي)، و(مَنْ لا يحضره الفقيه)، و(الاستبصار)، و(التهذيب)، ومصنفوها: الكُليني(ت 329 هـ)، والشيخ الصدوق(ت 381 هـ)، والطوسي(ت 460 هـ). وثلاثة منها للمحمدين المتأخرين، صُنفت في الفترة الصفوية: (الوافي في شرح الكافي)، و(وسائل الشيعة)، و(بحار الأنوار)، من قبل: الفيض الكاشاني(ت 1680، والحر العاملي (ت 1692)، والمجلسي (ت 1699). وكل منها يحوي الصحيح، والحَسن، والضعيف، وهناك من الموضوعات من الحديث، ولهذا ظهرت كتب الجرح والتعديل، والمختلف في الحديث، وقد رصد ابن قيم الجوزية (ت 751 هـ) في (المنار المنيف في الصحيح والضعيف)( ) أحاديث ليست بالقليلة من الركيك والمكذوب على الرسول. وقد نُقل عن شيخ المعتزلة وفيلسوفهم، إبراهيم بن سيَّار النَّظام (ت نحو 231 هـ)، وقوفه على اختلاف الرواة والإخباريين، ورواياتهم لأحاديث تناقض بعضها بعضاً، قال: (كيف يجيز السامع صدق المخبر، إذا كان لا يضطره خبره، ولم يكن معه علم يدل على غيبه، ولا شاهد على قياسه، وكون الكذب غير مستحيل منه مع كثرة العلَّل التي يكذب النَّاس لها ودقة حيلهم فيها، ولو كان الصادق عند النَّاس لا يكذب، والأمين لا يخون، والثقة لا ينسى، والوفيَّ لا يغدر، لطابت المعيشة، ولسلموا من سوء العاقبة(إلى قوله) ولولا أن الفقهاء والمحدثين والرواة والصلحاء المرضيين، يكذبون في الأخبار، ويغلطون في الآثار، لما تناقضت آثارهم، ولا تدافعت أخبارهم. قالوا: ولو وجب علينا تصديق المحدث اليوم لظاهر عدالته، لوجب علينا تصديق مثله، وإن روى ضدَّ روايته، وخلاف خبره، وإذا نحن قد وجب علينا تصديق المتناقض مثله، وتصحيح الفاسد، لأن الغلط في الأخبار، والكذب في الآثار، لم نجده خاصاً في بعض دو
العَلمانية والإمامة.. نصوص لا تُجوّز الدولة الدينية
نشر في: 26 فبراير, 2010: 04:38 م