TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تلويحة المدى :فـي الشعر والخيـال فـي العمـارة

تلويحة المدى :فـي الشعر والخيـال فـي العمـارة

نشر في: 26 فبراير, 2010: 05:30 م

شاكر لعيبيهل يمكن أن تكون العمارة نوعاً من الشعر بالمعنى الأقرب إليه، وليس في إطار (الشعرية) و(الوظيفة الشعرية)، وبمعنى امتلاك العمارة لطاقةٍ تستحثّ الصورة الشعرية والمخيلة وتنبثق من طبقات غير طبقات الوعي المنطقي، النثري، العقلاني، بل في نطاق تحديدٍ ممكنٍ للشعر المنهمك بشكل الرسالة وعلى الدوال وليس المدلولات على ما يقول جاكوبسون. الشعر بالطبع ينوّع المدلولات
ويثريها إلى أبعد الحدود. بهذا الوصف لا يحيل الشعر ببساطة، كما نعلم، إلى الجمال المتناغم المرتبط بشيء قليل أو كثير من العاطفة. النوع الشعري يلعب من أجل ذلك على كل ممكنات اللغة وتصويتاتها وأيضاً على الصورة المتخيَّلة، الاستعارة التخيلية كما يسميها البلاغيون العرب. وهو لذلك يشتغل ويضرب في أعماق اللاوعي، في الأحلام وأحلام اليقظة. هل يمكن للعمارة أن تكون أيضاً تعبيراً عن أعمق الرغبات والمعاني، بوصفها، لو شئنا، استعارة تخيّلية. وإذا ما شهد الفن الشعري في العالم الغربي تطورات شبيهة لفن التصوير لجهة أن التصوير، حتى القرن التاسع عشر، كان منغمراً بشكل أساسي في تمثيل العالم وفق فكرة المحاكاة الأرسطوطاليسية المقالة أصلاً عن الشعر- وعرضا عن الرسم-، وإذا ما نحَّى اكتشاف التصوير الفوتوغرافي عنه هذا الدور الجوهري. فذهب بعيداً عن العالم الخارجي بدءً من خطوات  الانطباعية الحيية وصولا إلى التكعيبية فالتجريدية التي هجرت نمط تمثيل الخارجي نهائياً، ففي الشعر الأوربي، ومقلديه في العالم، منذ الرومانتيكية توقف الشعر عن أن يكون وصفا للعالم، محاكاة (انظر تعليقات ابن رشد على أرسطو) باحثا عن صفاء لنفسه. ومن حينها كان هدفه البحث عن "لغة شعرية". اللغة نفسها ستصير الشعر. الاستعارة نفسها عربيا ستصيره.  في الشعر هناك دوما شيء من الاستعارة أو أن القصيدة نفسها هي استعارة مطوَّلة  أحياناً. وفي الاستعارة شيء كثير أو قليل من الخيال. في استخدام الكلام لغير ما وُضِع له،  الإزاحة أو المجاز، ضرب من الاستعارة والخيال أيضاً.في العالم العربي تطوّر فن الشعر بالاتجاه ذاته تقريباً. الشعر الحديث هو فن اللغة والمخيّلة المتزامنين الملتحمين. لطالما شدّد الجرجاني، من بين آخرين، على التخييل في الشعر. هل ثمة تخييل آخر أو مماثل يا ترى في فن العمارة؟. (عمارة) و(شعرٌ) هل يستهديان بحافز متغاير، إذا لم يكن متناقضاً، لجهة أولياتهما الجمالية، وفضاءات عملهما بما في ذلك طبيعة التلقي، أو لجهة المفاهيم والأفكار التي تحركهما؟. العمارة، هل هي محض وظائف مصاغة بأطرٍ جمالية متوترة ونظريات محكمة ومشروطة بالجغرافيا؟. وإذا اتفقنا أنها تنهل بالضرورة من المفاهيم الجمالية وتصوغها على طريقتها بل تتماهى مع الحداثة وما بعدها، فهل العمارة ليست حقلاً للخيال؟ أو هل أنها ذات خصوبة تخيلية أقل مما يمكن للمرء أن يتوقع من (فن جميل) رغم أنها مُدْرَجة منذ زمن طويل في إطار الفنون الجميلة رفيعة المستوى؟. لن يبرهن المعماريّ الإسبانيّ أنطوني غاودي على ذلك وسيجعل من العمارة، مع ثلة من معماريين موسوسين، ممارسة تخيلية عن جدارة تصل تعبيراتها حد الرؤى الحلمية كما نرى في جلّ أعماله المعروفة. وحتى في تفاصيل عمارته الدينية المسيحية، كاتدرائية العائلة المقدسة  في مدينة برشلونة فإنه قد حشد جميع العناصر الفنتازية بطريقة خفية وشحنها، قدر ما يسمح به بناء مقدَّس، بما يؤجج المخيلة، تاركاً لنا حرية التأويل. رغم أن العناصر والتفاصيل المعمارية لكاودي طبيعية وعضوية (بناية باتللو وبناية ميلا) فإنها مشغولة ومتآلفة ومضمومة إلى بعضها بطريقة حلمية أقرب للسوريالية، المُعْلَن عنها رسمياً قبل وفاته بأعوام قليلة، مما هي لأي اتجاه آخر عرفته عمارة نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.إن بنية معمارية، مهما كانت منطقية وهندسية ورياضية، فإنها ستقترب على يد معماري مبدع معاصر من حقول الخيال العريضة، أو من فن البصريات المعروف، حتى أننا سنرى شيئا كامنا من خيال محايث، معاصر، ومن شعر حديث مرئي، شعر صوتي بمواد صلبة، في عمل معمارية ومصممة داخلية معاصرة مثل زَهَا حديد: يتوجب الحذر الدائم من استخدام مصطلح السوريالية في حقول إبداعية غير الحقول التي انبثقتْ منها وزعمتْ تمثيلها. لقد أغوى مفهوم السوريالية دائما بإيجاد تعبيرات عنه وأمثلة له في كل مخيَّلةٍ جموحٍ، وفي أي صورةٍ شعريةٍ منفلِتة حتى لو أنها جاءت من عصور تسبق الظهور الرسميّ للحركة السوريالية.يمكن أن يستند الفن الشعريّ والتصوير السورياليان إلى الكتابة الآلية المنبثقة من اللا وعي والأحلام في تبرير منجزاتهما ويمكن بالتالي تبني المفهوم بثقة. لكن ماذا عن الأنواع الفنية الأخرى التي تستلزم، أكثر من الشعر والرسم، انضباطاً واعيا، على الأقل في التنفيذ كما في تصميم الأثاث وفن العمارة والتصميم الداخلي؟. ثمة فنانون في هذه الفنون يُدْرجون أنفسهم طواعية وبخيار حذر في الهاجس السوريالي عينه القائم على اللا وعي والأحلام، وهم يستهدون صراحة بالروح السوريالي في خلق "عمارة سوريالية معاصرة" أمثال أدوارد جيمس، و فردريك كيزلير (1896- 1966) ولوكوربوزييه قليلاً، وما بعد الحداثي فرانك كيهري، والتعبيري أريك مندلسون  (1887-1953)، وقبل ذلك كله المحاولات

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram