TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > كيف تم تشكيل المجلس التاسيسي الاول

كيف تم تشكيل المجلس التاسيسي الاول

نشر في: 28 فبراير, 2010: 05:06 م

 جميل ابو طبيخ/عن كتاب بغداد في سنة 1923 قررت حكومة رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون إجراء الانتخابات العامة لتشكيل المجلس التأسيسي وهو أول مجلس ينتخب من أفراد الشعب العراقي، وذلك للتصديق على المعاهدة العراقية- البريطانية الأولى التي نصت بنودها على خضوع العراق للانتداب البريطاني المفروض عليه الى جانب برمجة الهيمنة على الموارد والحياة العامة.
عارضت هذا المشروع قطاعات الشعب كافة، ففي الموصل أصدر رؤساء الكنيسة الكلدانية إعلاناً بمعارضة الانتخابات، كذلك صدرت عدة مضابط من علماء الدين في بغداد والعتبات المقدسة تطالب بتأجيل الانتخابات.وعندما طرح هذا المشروع لدراسته وإقراره من مجلس الوزراء عارضه ياسين الهاشمي الذي كان وزيراً للأشغال وكتب في محضر الاجتماع تحت توقيعه عبارة (مخالف) أي معارض للمشروع.الا ان نقمة دار الاعتماد البريطاني في بغداد انصبت على العلماء الشيعة من دون غيرهم، فبقي الهاشمي يتمتع بمنصبه ولم تمسه يد السلطة ولم يحاسب علماء الدين من السنة والمسيحيين، واتخذت الحكومة قراراً خطيراً عد سابقة، وذلك بنفي رجال الدين الشيعة من الكاظمية وكربلاء والنجف الى إيران، كما أبعد السيد محسن أبو طبيخ الى سوريا لكونه الوحيد من زعماء الفرات الأوسط الذي عارض بإصرار إجراء الانتخابات.لقد كان الأمر مفروضاً على الملك فيصل وليس له الا الخضوع للرغبات البريطانية لتفادي الدخول معهم في أزمات سياسية قد تقود الى نتائج ليست في مصلحة العراق.وعند انتهاء الانتخابات واستتباب الأمن، وبعد ان عادت الحياة الى طبيعتها رفض العلماء المنفيون العودة الى العراق فاستشار فيصل العلامة السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني، وكان يومها رئيساً لمجلس التمييز الشرعي الجعفري (ألغي فيما بعد) بشأن موضوع عودة العلماء وأسلوب معالجته.بين السيد هبة الدين للملك أهمية هؤلاء العلماء وموقعهم في المجتمع الشيعي واقترح ضرورة إيفاد شخصية ذات صفة رسمية يحمل في جعبته كتباً خطية الى كل واحد منهم لدعوتهم للعودة الى ديارهم وممارستهم مهامهم الدينية.استجاب فيصل للمقترح وأوفد السيد باقر السيد أحمد الحسيني (سركشك) التشريفاتي المقرب منه في البلاط وهو من أهالي الكاظمية وحمله رسائله الشخصية اليهم وخوله بصورة مطلقة التصرف وفق ما يرى من قول أو فعل نيابة عن جلالته من أجل عودتهم.والدافع الحقيقي الذي حمل فيصل للإقدام على هذه المبادرة الشجاعة، بالرغم من معارضة الإنكليز والكثير من ساسة بغداد وعلمائها من السنة، هو أن البلاد كانت تمر بأزمة اقتصادية حادة وبعودة هؤلاء العلماء الشيعة يعود الى العراق تدفق الأموال والمصادر الخيرية الطائلة مع مقدم الزوار بأعداد كبيرة من إيران والهند وسوريا ولبنان ما سيعالج العجز الهائل في عائدات الاقتصاد المحلي بما يرد من تدفق الزوار.يفسر الكثيرون من الكتاب محاولات فيصل للتقرب الى الطائفة الشيعية كمحاولة لكسب رضا الأغلبية السكانية في العراق، الا انه لو اخذ بنظر الاعتبار النظام الملكي الدستوري الذي كان قائماً، فهو لم يكن بحاجة الى أصوات الناخبين الشيعة للبقاء على عرشه، ذلك الى جانب التجاهل التام لأحقية الأغلبية السكانية هذه من الحكومات المتعاقبة في ممارسة صوتها الانتخابي (الحر) في عموم الانتخابات التي جرت في القطر.فقد أثار فيصل الكثير من انتقادات أعيان السنة بسبب تفقده لرجال الدين الشيعة كباراً وصغاراً ومساعدته لهم في قضاء حاجاتهم والاستماع الى شكاويهم، ذلك الى جانب مشاركته لهم في احتفالات المناسبات الشيعية وأبرزها حضوره احتفالات عيد الغدير كل عام التي كانت تقام في الحرم الكاظمي الشريف.الا ان تلبيته لدعوة وجهت اليه من إدارة المدرسة الجعفرية الواقعة في محلة صبابيغ الآل من بغداد وغالبية سكانها من الشيعة، أثارت عاصفة من احتجاج رجال الدين السنة عام 1921 دفعت بهم غلواؤهم لتقديم (احتجاج) الى المندوب السامي البريطاني واتهامهم له (بالتشيع) وقيامه بتبذير أموال (العامة) بتبرعه للمدرسة ببعض الدراهم، اتضح لهم فيما بعد انها كانت من مصروفاته الخاصة.وقد ارتفعت شعبية الملك بعمله لدى غالبية أفراد الشعب بعد عودة العلماء الى مراكزهم الدينية، الا انه أوقف (مجاملاته) هذه بعد حين ولم يعد يبدي أي تحرك تجاه الاعتراف بحقوق الشيعة في المشاركة المنصفة في حكم العراق، وقد يفسر سكوته هذا من تأثير دار الاعتماد البريطاني عليه.ولعل الانتقال الى موضوع آخر غير المجلس التأسيسي يمكننا من التعرف على التفاصيل برغم بساطتها فإنها قد تعطينا بعض المؤشرات للعديد من الأحداث المقبلة، وتحديداً الانتخابات النيابية وأسلوب توزيع المقاعد الذي تتقرر خلاله أسماء الأشخاص الحاصلين على هذه المقاعد قبل الإعلان عنها.فالنموذج الأول لدينا هو أول مجلس تم التصويت عليه، حيث تم على حد قول الحكومة، انتخاب خمسة وتسعين نائباً عن المناطق الانتخابية كافة في ألوية (محافظات) العراق الأربعة عشر في ذلك الوقت، وجرى توزيع المقاعد على النحو الآتي:لواء بغداد، أحد عشر نائباً:ناجي السويدي، ياسين الهاشمي، أحمد الشيخ داوود، نوري السعيد، عبد الرزاق منير، الحاج أحمد الشويش، الحاج ناجي رضا (صديق المس بيل ورئيس بلدية الكرادة الشرقية)، عبد الجبار الخياط، يوسف غنيمة (مسيحي)، ومناحيم صالح دانيال، وإلياهو حسقيل ا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram