اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > حب فـي زمن الإبادة الجماعية

حب فـي زمن الإبادة الجماعية

نشر في: 2 مارس, 2010: 06:05 م

ترجمة: عادل العامل تحتوي رواية ( المختفون  THE DISAPPEARED) لكيم أيكلين Kim Echlin على عناصر كثيرة يمكن أن تضر بكتابٍ أقل شأناً : وفيات شخصيات متعددة ( بينها طفلة الراوية )؛ قصة حب مفعمة بالعاطفة على نحوٍ لا يتّسم بالارتباك؛ مزيج من السرد بضمير الشخص الأول و الثاني؛ و كخلفية ، عظام و رماد الإبادة الجماعية الكمبودية،
 التي يقال أنها تسببت في موت 1.7 مليون إنسان بين عامي 1975 و 1979.... ومع هذا، فإن الكتاب ينجح في أن يكون فاتناً بالنسبة لقرّائه. ] عندما تلتقي الراوية " آن غريفز " للمرة الأولى مع سيرَي، الشاب الكمبودي الذي سيظل موضع رغبتها و حبها الصامد لعقودٍ تالية، تكون تلميذةً ثانوية في سن 16 في مونتريال تتردد على نوادي غناء بصحبة فتيات أكبر سناً. أما سيرَي، فتلميذ رياضيات أكبر منها سناً بخمس سنوات، طويل الشعر، و هو المغني الغريب الأول في فرقة تدعى ( لا مخرج  No Exit) الذي يجتذب انتباهها . و يتحدث الاثنان، و يتبادلان القُبلات، و البقية كما يقال تاريخ أحداث ــ و لو أنه في هذه الحالة تاريخ حقيقي : قصة حب تمتد عقوداً و جغرافيات، يتضمن بعضاً من أسوأ فظاعات القرن العشرين، كما تقول داليا سوفر كاتبة هذا العرض. و الغياب هو المغناطيس الأولي بين الاثنين. فبالنسبة لسيري، الذي هو في المنفى بكندا لأن الحدود الكمبودية قد أُغلقت، يكون الغياب هو غياب أسرته، التي لم يتسلم أية كلمة منها لمدة أربع سنوات. فنجد أن سسيري، المعلق إلى صورة أسرته و إلى البرقية الأخيرة منها التي صارت صفراء، يحمل في عينيه " حالة يأس الناجي ". ذلك أن تسمية فرقته بـ " لا مخرج " ليس مصادفةً ــ و قد مدّتنا مسرحية سارتر التي بهذا العنوان بمقولة " الجحيم هم الآخرون ". أما بالنسبة للفتاة آن، فهو غياب أمها، التي سحقتها شاحنة على طريق جليدي و كانت آن في الثانية من عمرها، و كذلك الغياب العاطفي لأبيها الحنون الغافل مع هذا، و هو مهندس و صانع قطع غيار طبية، ذو ميلٍ إلى الهدوء و النظام. " و كان يعتقد بإنه إذا ما عمل جادّاً بما فيه الكفاية استطعت أنا أن أتشكل مثل طرفٍ آلي "، كما تقول آن. لكن هذه المراهقة المتمردة يمكن أن تكون أي شيء إلا آلية، و رغبتها الجنسية و حبها النهائي نحو سيرَي أمرٌ خام و غير محدود. وهي تقول " لم أشعر أبداً بأي مانع للعنصر أو اللغة أو القانون. و كل شيء كان إحساساً حيوانياً و موسيقى ". و تُفتح الحدود الكمبودية في نهاية الأمر و يغادر سيرَي مونتريال ــ و آن ــ ليجد أسرته. و بعد 11 سنة، تسارع آن، معتقدةً بأنها قد شاهدته على التلفزيون في اجتماع سياسي، و تشتري تذكرة سفر إلى فنوم بينْه و تنطلق لتجده. و يحدث ذلك. و هناك شيءٌ ما من مرغريت دوراس في هذه الصفحات، شيء من الشهوة بين الفتاة الغربية و الرجل الآسيوي التي تدفع برواياتٍ مثل " العاشق " و " عاشق الصين الشمالية ". لكن بينما تركز دوراس في الغالب على الرغبة، تركز إيكلين على الحب المطلق ــ الرغبة الجسدية المقترنة بالحاجة إلى معرفة كل شيء عن المحبوب، و اتّباعه حتى إلى القبر و ما بعده، و بالنسبة لآن، تعني معرفة سيرَي محاولة فهم كمبوديا، بكل أسرارها الرهيبة. و كما يقول سيرَي لوالد آن، خلال لقاءٍ قصير غير مناسب، " إن بلدي هو جلدي ". و تحيط إيكلين بجمال و رعب كمبوديا بمقياس متعادل. فتقول آن، و هي تصف يومها الأول في فنوم بينْه : " كانت رائحة نهر باساك و المياه الذائبة من الجبال البعيدة تتشابك و تتحول إلى هواءٍ رطب و ثوم و ياسمين و زيت طبخ و عرق ذكَوري و رطوبة أنثوية. الفساد يحب الظلمة ". و عن الحقول القاتلة، تكتب قائلةً : " الكآبات في الأرض المتكاثرة مع العشب. الجماجم و العظام. السماء ". أما الأكثر بقاءً في الذاكرة، فرائحة الموت الكريهة المتباطئة : " يفزع الناس من دخان السجائر و النفايات المتعفنة و البانزين "، و تكتب إيكلين : " الروائح البديلة للتعذيب و الجثث و القنابل. رائحة سيئة تجعلهم يقفزون ". و من المناسب عندئذٍ أن نجد سيرَي يقول لآن حين تضغط عليه ليكشف لها عن كوابيسه، أو ما يفعل في فنوم بينَه، مغيّراً حديثها بالإطراء عليها : " إن رائحتك طيبة للغاية ". و بالرغم من حبهما، ما يزال هذان الاثنان غريبين عن بعضهما البعض الآخر. فالحدود تستمر. يمكن أن تُمدّ الحدود بعيداً جداً فقط. و آن ليست من كمبوديا، لا تحمل رائحتها. إنها مخلِّصة و دخيلة معاً، مبجَّلة و ملومة في وقتٍ واحد. و يمكن قول الشيء نفسه عن عمال المساعدة الأجانب، الذين يتحدثون عن الديموقراطية لكنهم عاجزون عن تغيير أي شيء. و كما يقول سيرَي " يجيء الأجانب و ينبحون لكن كل شيء يظل سائراً على منواله، لا أكثر". و ما يزال الأسوأ هم الحمّالون، " الذين كانوا يمضون عبر فنوم بينْه، و يستكشفون الجنس و الجماجم و المعابد، و يتحدثون عن الذهاب إلى الشواطيء في الجنوب لمناسبة السنة الجديدة ". و قد قيل الكثير عن عاديّة الشر. و نحن هنا مهيّأون للتفكير بعاديّة اللامبالاة. و إذا كانت إيلكين تعير ا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram