كاظم الواسطي من خلال متابعة سير الدعاية الانتخابية الأخيرة، نشهد، هنا وهناك، بعض التصريحات التي تتناول الآخر المشترك في الانتخابات بالاتهام المباشر، ومحاولة التسقيط بتفسيرات وتأويلات تعكس ضعفاً واضحاً في معايير السلوك الانتخابي، وعدم الاهلية في فهم قواعد المنافسة الانتخابية البعيدة عن الاساءة المباشرة لشخص المرشح من قوائم منافسة .
إن الانتخابات ليست الهدف الأول والأخير في النظم الديمقراطية الناشئة، بل أن العملية السياسية في هذه النظم تستدعي التعاطي مع الانتخابات معياراً من بين مجموعة من المعاييروالمبادئ، ينبغي أن تتوافر في الفرد والمجتمع، لتكون القاعدة السليمة التي تبنى عليها العملية الانتخابية، وتنتظم في رحابها . وما عانينا من إشكاليات وتعقيدات في السياسة وبناء مؤسسات الدولة في الفترة التي أعقبت الانتخابات السابقة، يؤشر خللاً واضحاً في تلك المبادئ . إن العملية الانتخابية السليمة التي تجرى بعد عهود طويلة من الاستبداد، وسياسات التهميش والاقصاء،تتطلب ثقافة جديدة مقطوعة الصلة باخلاقيات الاستبداد، وتشوهاته السياسية والاجتماعية . ثقافة تنبذ العنف، والكراهية ، والنفاق، والاساليب الحرباوية في التفكير والسلوك، والخوف من الآخر..وغيرها من مركبّات التسلط التي عملت مؤسسات الاستبداد السابقة على تعميقها في بناء شخصية(اللامواطن) العراقي يومذاك، ثقافة تعتمد الحوار إسلوباً في حل الخلافات بين الأفراد والجماعات، والتفاهم طريقة للتوصل إلى الشراكة والعمل المثمر في الخدمة العامة. إن غياب مثل هذه الثقافة عن عقول الكثير من سياسيينا دمر جسور الثقة فيما بينهم، وانعكس بشكل واضح على الأداء الحكومي والبرلماني، وانتج جملة من التعقيدات والصعوبات البالغة التأثير على حياة المواطن والمجتمع. إن وعي المواطن بحقوقه التي ضمنها له الدستور، وتنمية ثقافته بحقوق الانسان وتفرعاتها المختلفة، وما تعنيه الديمقراطية كنظام حكم، وثقافة للمجتمع، هو المعيار الحقيقي لانتخابات تفرز الأصلح والأنفع لهذا المواطن، الذي سيقطع، بصوته النوعي، الطريق على من هم دون مستوى المسؤولية، وأن مثل هذا المواطن لا يخشى من احراج المرشحين الذين منحهم صوته، ومحاسبتهم على ضعف الاداء، وتجاوزهم على العقد الضمني الذي اعلنوا عنه في برامجهم، ووعودهم الانتخابية، أمام ناخبيهم، وهذا ما ينبغي أن لا يحصل في الانتخابات القادمة، كي لا يتكرر مثل هذا النمط من لا مبالاة الكتل السياسية في اختيار مرشحيهم – بعضهم متهم بالارهاب وسرقة المال العام والقتل-، في نظام القائمة المغلقة السابق، الذي تحكمت به المحاصصة الطائفية، واللهاث الماراثوني وراء المناصب، والمصالح الفئوية الضيقة، من دون اعتبارٍ لمصالح المواطن وخياراته، مما يجعل الاتهامات المتبادلة،إلى حد التسقيط، مسألة طبيعية في مثل هذه الأجواء من فقدان الأهلية في اختيار المرشح المناسب، وعدم الثقة التي ترتبت على آليات الترشيح المغلق، بدوافعه التنافسية المعروفة. ومن المؤكد أن قسماً من هذه الأجواء سينتقل إلى ما بعد الانتخابات القادمة، بسبب قيام بعض الاحزاب والمرشحين، غير المؤهلين، بافساد قسم من الناخبين، الجاهلين بقيمة دورهم الانتخابي القادم، وشراء أصواتهم، وتسييس البعض الآخر لطقوس الناس وشعائرهم، واستثمارها لأغراض انتخابية، فضلا عن تدخلات دول الجوار التي تشكَل اليوم خطراً حقيقياً على العملية السياسية في العراق، وعلى مستقبل العراق نفسه. فمتى يعي السياسيون، في هذه البلاد الجريحة، مسؤولياتهم، ويكونوا بمستوى عطاء البلاد ؟ إن وعي الناخب لمصلحته الحقيقية، ولحقوقه التي كفلها له الدستور في المشاركة، والمراقبة، ونزاهة التصويت، هو الذي يحدد مسار العملية السياسية، ويكشف مدى صدقية المرشحين فيما يطرحون.. ويوعدون.
وعي الناخب
نشر في: 3 مارس, 2010: 04:58 م