جمال جصاني من الصعوبة بمكان تخيل عالمنا المعاصر ونوع مقتنياته المادية والروحية المتطورة، من دون تلك المغامرة التدشينية التي مهدت الطريق لأحد أشهر ابطالنا الاسطوريين، من التسلل الى حريم آلهة ذلك الزمان، لانتشال وهجٍ من جوف موقدها المقدس. باكورة ذلك السبيل المشرق من الفضول المعرفي، كلفت ملهم المتمردين غالياً...
لكنها شقت الدرب لتدفقات لاحدود لها ممن استوطنتهم حمى الهوس بالحرية والانعتاق بعيداً عن زرائب الخنوع. ولولا تلك المشاعل لظلت سلالات بني آدم تتمرغ في أوحال العتمة وصقيع اليقين الى يومنا هذا.(الخوف والحرية) احدى اشهر الجدليات التي شهدتها سيرة حياة البشر، جدلية تركت نتائجها اشكالاً متعددة من مستويات العيش (الكريم منها والذليل، المتطور منها والمنحط و...) وبما يتناسب وسطوة كل من طرفي هذه المعادلة، التي لاتنفك تتابع خطى البشر لترسم جغرافية الاقدار وحدود ارخبيلات (المحظوظ والمنحوس).لم تجد مضاربنا المنحوسة نفسها سهواً، وقد اشتهرت بين قبائل القرية الكونية، بامتلاكها لاكثر حقول الزيت المبارك واكبر حقول للخوف والذعر والاذعان في عالم بدأ بعض (مجانينه) يعبث بـ (جينوم البشر والحجر) ويستعد لامتطاء صهوة الهيدروجين... تلك الفتوحات المعرفية والقيمية والمعيشية لم تنهمر عليهم بفعل سرقتهم لاسلحتنا السرية من قبيل (ادعية عزة الدوري ودرباشته او مخطوطات الاستشعار عن بعد التي اختزنت في مصارينها ما حدث وما سيحدث....!) بل عبر الثغرات التي احدثوها في جدران ثوابتهم وقلاع محاكم تفتيشهم التي لم ينج منها ذات يوم لا الاعمال ولا النيات. ولاحقاً عبر تزريق سلالات جديدة من (البدع) في منظوماتهم التعليمية والسلوكية...نوبات من التمرد خارج حيطان المألوف والمأنوس ألقت بهم الى قاع الشبكات العنكبوتية وتجاويف (النانوتكنلوجي) والقادم أخطر...!انتصارات ما كانت لتتحقق لولا ان تنكب (القلم) شراً بحشود الموروثات من العتمة والحيطان متجحفلاً مع تلك الطبقة الفتية الصاعدة (البرجوازية) ليمنح الحياة نظاماً جديداً من المعنى، ومشمراً عن قدرات لانهائية للسبيل الذي طرق بابه يوماً رواد الاعتزال وموسوعيو أخوان الصفا. ذلك المشوار الذي هجرته قوافلنا منذ أكثر من ألف عام بعد انتصار قوارض النقل وانكماش العقل وانتشار انشودة القيل والقال وعن فلان قال...... لذا لم يكن الامر عجيباً؛ ان ينمسخ القلم في هذه المضارب المحروسة الى مانعة صواعق، يهرول بالضد من وظيفته الاصلية، التي منحته اياها الاقدار المتعاطفة مع اوجاع بني البشر؛ كناثر صواعق تنير الدرب للقوافل الهائمة في هذا اليباب الممتد من الماء الى الماء. عندما يسرج القلم لطرق المسارب الخائبة والانضمام لجوقة تزيين الجدران وتقديم فروض الطاعة لحثالات البشر، لن تعدم قراطيسنا الورقية والالكترونية مخلوقات تعيد ترميم مشهد انتشال الجرذ الضرورة من جحر الدور، باعتباره مشهداً مفبركاً اهدتنا اياه الاستوديوهات الهوليودية....!لن نكشف سراً عندما نتحدث عن المثقف باعتباره كائناً لايسيل لعابه لرنين الوليمة. كما هي الثقافة؛ تجربة انسانية لها مشوارها الخاص، المترع بعبق الحرية والتمرد على كل انواع حراب التعسف والقهر، واشكال الصمت المتنوعة. هي سبيكة متراصة من المسؤولية والقلق والجرأة في التصدي لعبثية الاقدار. وستبقى (الثقافة) دفقاً دائماً ترفد مسامات السؤال باكسير الحياة.لكن هذا النوع من الثقافة والمثقفين نادر في مضاربنا المتخمة بسلالات (مانعة الصواعق) والدواجن الثقافية المتخصصة في نثر الافخاخ والترويج للانخراط في مهرجانات الحظائر. ومن سوء حظ ذلك النوع من المثقفين انه غالباً مايكون متوهجاً او معتكفاً فلا يلبث ان يتم الاجهاز عليه. عكس ضده النوعي الرشيق الجاهز لمختلف الاستدارات العادية منها أو المفاجئة، المتحفز لنقل عدته المعرفية والمهنية من كتف الى كتف وبما يتفق وفرمانات المحظوظين الجدد....فصول ومشاهد هي بعض من عطايا حقبة (المانيفست).حطام من الهياكل القلمية والدمى الثقافية، يصعب فيها على أمهر النباشين؛ التقاط قطعة نافعة او ذات جدوى من بين ركامه، بما في ذلك اولئك الشيوخ من ذوي البدايات الطيبة، والذين تزحلقت رقابهم الى ذلك اللجام زمن التدجين القومي، لايبدون امتعاضاً من تلك الحقبة الذليلة من حياتهم وحسب، لابل لايجدون فكاكاً عن مضغ حشائش تلك الحظائروالدعوة الى تجريب متعة الترنح تحت زجر ذلك اللجام واستعمالاته المتعددة...! ما زالت تلك القوى التي اكرهت القلم لان ينهض بمهام مانعة الصواعق، آمنة في قلاعها وثكناتها الممتدة حتى ابعد نقطة في دول الجوار. ولكم في مواقف اتحاد الادباء والكتاب العرب اسوة صاعقة عن حال هذه البرك الآسنة المتضامنة مع مصيبتنا ومحنتنا عبر استضافة جنرالات (جمهورية الخوف) وتزويد مدارسنا واسواقنا واماكن عبادتنا وكل مايضج بعيال الله بدفعات متواصلة من الدواب المفخخة والمفرقعات الشديدة الانفجار المخصصة لتحديد النسل..!محن وكوارث لو سقطت زخة منها على سكان الادغال، لسارعوا الى ابرام اتفاقية سلام دائم بين قبائلها ومكوناتها، ولم تستثن من ذلك طائفة آكلي لحوم البشر. الا قبائل (البستان) المولعين بنبش رفات الثارات السالفة ومضغ مايخلفه القلم المذعور والمأجور....مأزق لايمكن النجاة من
للقلم ومانعة الصواعق وظيفة واحدة
نشر في: 8 مارس, 2010: 03:57 م