TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > كلام ابيض :هـدر الـوقـت

كلام ابيض :هـدر الـوقـت

نشر في: 13 مارس, 2010: 06:01 م

كريم محمد حسين سأثأر للمدينة التي أشاهدها تغفو على الخراب والإهمال حينما أرى رسومها وهياكلها، أتذكر محبيها بينما انتظر فسحة اخرى، وأنا اشاهد القديم قد اختلط بالجديد المخرب. وكثيرة هي الاوقات التي نهدرها على مسرح فعالياتنا البشرية من دون جدوى في ساعات الزحامات، وفي ثرثرات المقاهي وفي بطالات مقنعة لا نسرق فيها وحدات الزمن وحدها، بل نسرق فيها قوت الاخرين ونعطل بها مصالحهم وشؤونهم، وهذه الاوقات المهدورة تكون محسوبة قسراً في عداد العمر وتقويم الحياة ،
 وتتطلب يوما مضافاً من اعمارنا هدراً وتضيف اخدوداً من الشيخوخة على سحنات وجوهنا وارواحنا. ونحن نفعل ذلك لأننا اخترنا ان نرى الحياة كما هي الحياة، الموت هنا وهناك الدمار والتجديد، لذلك لا يأسف الكثير على عهد مضى، مصائده وحكامه، وكنا نفرح من معرفتنا ان ساقي المعرفة سيعيش في عالم يحظر معه التحديات الجديدة، انه عامل المدن المتناقضة في العظمة والفقر، الامن والرعب، رجال ونساء والترتيب المستجد باستمرار الماضي والحاضر ورحيقهما هو المدينة التي نولد فيها في خضم التناقضات، مثل المقابر اسماء فقط واسوار محطمة ووجدان يعيش بعد نسيان من دفنوا منذ وقت قريب وطويل ولا يزال لدينا الشعراء والعشاق وممن يلتقطون خراب الماضي، ليجعلوا منه مادة المستقبل، انه خليط الماضي والحاضر محترقاً بيد الشباب والاجيال، انه السائد والمألوف لأنهم ينتظرون عبر الفجوات او هم متسولون كسالى، وفي جانب اخر رجال يبدو عليهم ان يجعلوا من جروح الارض والمجتمع والانسان نقطة مركز يجتمع حولها الجميع. الامثلة اليومية في حياتنا على اللامعنى كثيرة، ومتشعبة تتصدرها ساعات الصباح الاولى بزحامات توفر ساعات عملنا، وتربك يومنا واللامعنى في اوقاتنا المهدورة تلك التي نقضيها في صناعة الاعداء من حولنا، سواء ممن يشاركوننا الحياة في كل مكان، والاغتيابات المتواصلة وما نسرقه من زمن العمل في تداول الاشاعات وحياكتها والتعاطي بها. نتحدث كثيراً ولا نريد احداً ان يقاطعنا، وبنفس الوقت نبحث عن مركز كوننا خرجنا من مجتمع تحطم مركزه، فالمراكز عديدة ومع ذلك نبقى معاً ومنا تأتي البدائل ووجهات النظر البديلة، وهكذا تستمر الحياة وتستمر الاشكال والاجساد والشوارع والقباب والمدن المتدلية في ظلال اشجار الحدائق، حينذاك يمكن للمرء ان يشاهد الانتقام والرحمة، على وفق ساعات اليوم التي لم تخل بعد من كل المشاهد، وقد لا يكون مسؤولا مباشراً عن اهدار اوقاته وإلقائها في سلة اللامعنى ، فثمة اخرون و مؤسسات وحكومات واشخاص يرتكبون جرم سرقة المعنى من اعمار الناس، كالاوقات المهدورة في الزحامات وطوابير المعاملات الرسمية والبطالة المقصودة واحقاد سياسيين موتورين وزعماء مجانين، انه الترتيب المستجد مرة اخرى وباستمرار الماضي والحاضر ورحيقهما الناس والمدن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram