TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > أديرة الموصل

أديرة الموصل

نشر في: 14 مارس, 2010: 04:45 م

د.سناء عبد الـله عزيز انتشرت الديانة المسيحية في الموصل قبل الإسلام ، شأنها في ذلك شأن مناطق أخرى من العراق، ونتيجة لانتشارها ،كان لابد أن يكون لاتباع هذه الديانة كنائس وأديرة .وقد عاش في الاديرة الرهبان الذين جنحوا الى العزلة وانقطعوا للنسك والعبادة .ويقال ان الاديرة بدأت اول الامر على شكل أكواخ منفردة لكل منها رئيس، ثم كبرت الفكرة وأصبحت الأكواخ دورا كبيرة يعيش فيها الرهبان عيشة مشتركة يجمعهم سقف واحد وتسيرهم أدارة رئيس واحد ، ثم أنشئت في المدن أو قريبا منها وتولاها الأساقفة.
والأديرة: جمع ومفردها دير ولغة تعني( خان )وصاحبه يسمى الديراني. أما اصطلاحاً، فهي الأماكن التي يتعبد فيها الرهبان، أي أن وظيفتها دينية بحتةوالهدف الرئيسي من إنشاءها هو ممارسة حياة التقوى والتأمل، خاصة وان النصرانية دعت الى الزهد بعــد أن أصابها الاضطهاد من السلطات الحاكمة في أول الأمر، مما أضطر عدد من المؤمنين الى الفرار بدينهم الى البراري والجبال والاماكن المنعزلة .وبهذه الطريقة نشأت فكرة الرهبنة التي يعدها بعض الباحثين نوعا من أنواع الاحتجاج الفردي على نظام حاز على تأييد الدولة في الوقت الذي سعت فيه الكنيسة بالمقابل الى تثبيت مركزها إزاء هذه النزعة الجديدة.وتختلف االاديرة أو كما كانت تسمى (الديارات ) ، باختلاف مواضعها، فمنها مابني فوق قمم الجبال، أو ضفاف الأنهار، ومنها مااقترن بالمدن وضواحيها أو بالارياف اوما انفرد في البراري والقفار.ويشترط في كل دير من الأديرة صغيرا كان أم كبيرا أن يكون فيه (بيعة) يصلى فيها، كما ويشترط أن يحتوي على( صومعة) للتعبد أو كما تسمى (قلاية ) ، تستوعب من فيه من الرهبان أو الراهبات ، ولا يخلو أي دير من الديارات من خزانة للكتب أي (المكتبة) والتي يجد فيها الرهبان ما يحتاجونه من المصادر والمراجع التي تتناول موضوعات دينية وأدبية وعلمية مختلفة، فضلا عن الكتب المقدسة وتفاسيرها وكتب الفلسفة واللاهوت وسير الشهداء والقديسين والحياة النسكية والعبادات والطقوس الدينية وغير ذلك مما تحفل به رفوفها.ولم تقتصر المكتبات على تأدية هذه الوظيفة بل كانت مكاناً لاجتماع الرهبان حيث كانوا يطالعون فيها ويؤلفون الكتب ويحققون المخطوطات ويتناقشون في امورهم ومشاكلهم .كما احتوت الأديرة على دور للضيافة ينزل فيها زوار الدير والمجتازون به، كما حرص مؤسسوا الأديرة الاوائل على ضمان وجود الماء في اديرتهم وبالشكل الذي يلبي متطلبات معيشتهم، لذلك حرصوا على حفر الآبار داخل الأديرة في حالة كون الدير بعيد عن مجاري المياه أو حفر الصهاريج في جوف الصخر ليجتمع فيه الماء. ومن الطريف القول بأن معظم الاديرة انشئت في أجمل المواقع وأحسنها هواءً وأجملها منظرا فكانت البساتين تحيط بها من جميع جهاتها، لذلك قصدها الشعراء والأدباء الذين كانوا يخرجون إليها وينظمون فيها قصائدهم ، وبذلك جمعت الاديرة بين ميزتين وأدت مهمتين الاولى دينية والثانية ثقافية .لقد كانت الموصل كمدينة وكمركز حضاري من ابرز المدن العربية والاسلامية التي احتضنت عددا من الاديرة ولاتزال هذه الاديرة تشكل معلما مهما من معالم الحضارة والانسجام بين المكونات الدينية والاجتماعية وكثيرا ما شارك الاهالي في الموصل بعضهم البعض في الاحتفالات التي تقام بهذه الاديرة لذلك فيه بحق عريقة في أنشاء الأديرة بل هي موطن الأديرة، فمنذ اواخر القرن السادس الميلادي احتوت الموصل عددا كبيرا من الأديرةوليس من السهولة حصرها فهناك من يتحدث عن دير ايشوعياب(القرن السادس ) ودير مار ايليا(القرن السادس ) ودير مار اوراها(القرن السابع ) .. لكن لابد من الوقوف عند اشهرها فمن اشهر اديرة الموصل: - الدير الأعلى:- ويسمى الدير الأعلى أو دير مار كوربيل ويقع هذا الدير شمال شرق الموصل وتحديداً على ضفة نهر دجلة اليمنى وداخل أسوار منطقة قلعة باشطابيا الحالية والدير الاعلى كان ديرا كبيرا عامرا يضرب بموقعه المثل في رقة الهواء وحسنه، ويعد الان من الاديرة البائدة وويعتقد انه اسس في نحو القرن السابع اليلادي ولم يكن للنصارى في وقت انشائه دير مثله، لما فيه من أناجيل ومتعبدات وفيه قلايات كثيرة للرهبان، وله درجة منقورة في الجبل ويفضي الى دجلة نحو المائة مرقاة، وعليها يستقى الماء من دجلة، وتحت الدير عين كبيرة تصب الى دجلة، يقصدها الناس للاستحمام بها حيث أنها تبرئ من الجرب والحكة وغيرها من الأمراض الجلدية، وتعرف اليوم بعين كبريت، ويذكر ياقوت الحموي أن هذه العين ظهرت تحت الدير في سنة (301 هـ/ 913م) وان فيها عدة معادن كبريتية. وتأتي شهرة الدير من أن العديد من البطاركة قد عاشوا فيه .كما ضم كذلك مدرسة عليا اشتهر أساتذتها بمؤلفاتهم حتى انها عرفت في التاريخ بمدرسة أم الفضائل، وكان الخلفاء وأرباب الحكم يرتادونها ويقضون فيها أياما للراحة وعندما مر المأمون بالموصل في طريقه الى دمشق نزل به وأقام فيه أياما، ووافق نزوله عيد الشعانين، فجلس المأمون في موضع منه حسن ومشرف على دجلة والبساتين، ويشاهد فيه من يدخل الدير، وقد زين الدير في ذلك اليوم بأحسن زي، وخرج رهبانه وقساوسته الى المذبح وحولهم معاونوهم وبأيديهم المجامر وقد تقلدوا الصلبان وتوشحوا بالمناديل المنقوشة وقد استحسن المأمون ذلك، وعطف الى المأمون من كان معهم من الجواري والحواشي ، بيد كل واحد منهم تحفة من رياحين ، وبأيدي جماعة منهم كؤوس فيها ما لذ وطاب من الاشربة ، فأدناهم، وجعل يأخذ من هذا ومن هذه تحية، وقد شغف

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram