منذر عزيز في سنة 1895ارتأت الدوائر المختصة في الباب العالي عزل السردار الاكرم عمر باشا عن ولاية بغداد وتنحيه عن الحكم فيها بعد ان كانت قد اعتمدت عليه فندبته الى تأسيس الجيش النظامي في العراق وتنفيذ بيان القرعة العسكرية من اجله والمفهوم من المراجع المتيسرة عن تلك الفترة ان اولياء الامور في استانبول قد ادركوا بانه لم يحسن التصرف فيما عهد اليه ،
فأثار العشائر العربية واستفزها بحيث ادى فشلها في مقاتلتها الى ضياع هيبة الحكومة وهدر كرامتها في البلاد ، فضلا عن تفويت الفرصة عليها في وضع شؤون التجنيد على اسس قويمة . ولم يفعل هذا فقط بل خالف رغبات المراجع المختصة في الباب العالي كذلك ، ولم يأخذ رأيها في البطش بعشيرة الهماوند في الشمال وشنق عدد كبير من رؤسائها والمتنفذين من رجالها . إثر انتصار جبهة الحلفاء على قوات (المحور) في الحرب العالمية الثانية 1939- 1945 أثارت بريطانيا على الوصي عبدالاله بفتح نافذة للديمقراطية في العراق بعد سنوات من التسلط الحكومي والأحكام العرفية وإسكات الأصوات المطالبة بالتغيير وإطلاق الحريات العامة، وبناء على هذا التوجه قد ألقى الوصي في السابع والعشرين من كانون الأول 1945 خطابا في جمع من السياسيين أعلن فيه (عزم الحكومة إطلاق الحريات والسماح بتأليف الأحزاب السياسية في البلاد والطلب من المواطنين الانخراط في الحياة الحزبية الجديدة ليمارسوا حقوقهم الديمقراطية والعمل على إصلاح قانون الانتخاب وتنفيذ الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية).وعن هذا التوجه الجديد نقرأ في مذكرات محمد مهدي كبة: (وجد بعض الساسة الوطنيين ان مبادرة الوصي فرصة يجب انتهازها لتوحيد الفئات الوطنية وتنظيم الحياة السياسية ونشر الوعي السياسي بين المواطنين، ورغم انهم لم يكونوا واثقين من سياسة الوصي وحسن نواياه إلا انهم وجدوها فرصة لمعرفة تلك النوايا).ولتنفيذ هذه السياسة المنفتحة على القوى السياسية العراقية، كلف الوصي السياسي المخضرم ورئيس الوزراء الأسبق توفيق السويدي لتشكيل الوزارة الجديدة التي كان أبرز وجه وطني فيها سعد صالح الذي تولى وزارة الداخلية وتم على عهده إطلاق حرية العمل الحزبي، وعلى هذا الأساس فقد أعلن السويدي غداة تشكيله الوزارة في شباط 1946 (سعي الوازرة لإزالة كافة القيود التي فرضتها ظروف الحرب العالمية الثانية من قوانين استثنائية وإلغاء الرقابة المفروضة على الصحف والسماح بتشكيل الأحزاب السياسية وتشريع قانون الانتخابات والسعي لتطوير قطاعات الدولة وتحسين الإدارة وتطوير الجيش) ثم ان رئيس الوزراء الجديد قد أكد في باب السياسة الخارجية على (ضرورة إعادة النظر بمعاهدة 1930 بحيث تنسجم مع التطورات العالمية الجديدة ومع ميثاق الأمم المتحدة). وتنفيذا لسياسة الحكومة في الإصلاح الداخلي كما ورد في الفقرة الأولى من إعلان رئيس الوزراء، فقد ألغيت القوانين المقيدة للحريات، ورفعت الرقابة عن الصحف وألغيت الأحكام العرفية وأغلقت معسكرات الاعتقال وتم السماح بتشكيل الأحزاب السياسية، ولعل الأجراء الأهم الذي تم في هذا المجال هو السماح بالنشاط الحزبي، حيث برزت الى العلن خمسة أحزاب، هي:rn1)حزب الاستقلال وأبرز وجوهه محمد مهدي كبة الذي أصبح رئيسه فيما بعد، حيث ذكر في مذكراته عن أهداف الحزب: (يهدف الى تحرير البلاد واستقلالها، ويدعو الى الإصلاح في مختلف نواحي الحياة على أسس ومبادىء تقدمية واشتراكية).rn2)الحزب الوطني الديمقراطي وتعود بدايات هذا الحزب الى جماعة الأهالي (نسبة الى جريدة الأهالي التي أصدرتها تلك الجماعة) وكانت جماعة الأهالي الليبرالية قد تشكلت في أواسط الثلاثينيات من القرن الماضي، وأبرز نشاطاتها آنذاك مشاركتها في حكومة حكمت سليمان في أواسط عام 1936 بشخص كامل الجادرجي الذي أسس الحزب الوطني الديمقراطي عام 1946 معتمدا على (مبدأي الوطنية والديمقراطية بوصفهما عنصرين مترابطين بارتكاز أحدهما على الآخر) كما جاء في جريدة الحزب (صدى الأهالي) الصادرة في الثلاثين من مايس 1950 وعلى هذا الأساس فقد سعى الحزب كما نص منهاجه (الى الدفاع عن المبادىء الاجتماعية المعتدلة مع التشديد على المبادىء الديمقراطية والتمسك بالأساليب الدستورية وأنه يلتزم باحترام النظم الديمقراطية والنيابية وتأييد الحريات كالحرية الفردية وحرية الصحافة والتعبير والاجتماع، فضلا عن دعوته لإصلاح الجهاز الحكومي والجيش إصلاحا عصريا وضمان استقلال القضاء).rn3)حزب الأحرار ويحسب على اليمين المعتدل، وقد أصبح توفيق السويدي بعد استقالة وزارته في الثلاثين من مايس 1946 رئيسا له، في حين أصبح وزير الداخلية السابق سعد صالح وهو من الوجوه الوطنية المعروفة نائبا للرئيس وأبرز وجوه المعارضة في مجلس النواب، إذ قرأنا في كتاب (سعد صالح ودوره السياسي في العراق لستار جبار الجابري: (وكان وجود ـ سعد صالح ـ في صفوف الحزب ومعه بعض نواب المعارضة ولما يحمله من أفكار وطنية متطرفة، أصبح الحزب يميل للمعارضة، وبمرور الوقت بات هذا الحزب حزبا معارضا للسلطة) ولكون حزب الأحرار حزبا وطنيا إصلاحيا فقد نص منهاجه على استقلال العراق وتعزيز كيانه الدولي وبناء الدولة من الداخل لتكون موحودة بعناصرها: قوية وحديثة تتمثل في إصلاحات شاملة تتناول مختلف وجوه الحياة، كما يهد
كيف تمت اعادة الاحزاب السياسية للعمل بعد الحرب العالمية الثانية..؟
نشر في: 14 مارس, 2010: 04:46 م