رياض النعماني اذا كان هناك خلاص ينقذ روح الانسان على هذا الكوكب... فأنه يتحقق في فضاء من المعرفة الخلاّقة وفي سيرورة سياقاتها وتاريخيتها وغيوبها..، سواء اكانت هذه المعرفة عقلية تستعين بأدوات التحليل والبرهان ، وقدرة الاختبار العقلي على استنباط دلالات الحقائق، وابعادها المتنوعة والعديدة ...
او تلك التي تجيء من لحظة الكشف المفاجئة التي تبزغ هكذا دونما مقدمات او انتظار فتحيل الكائن الى كون لانهائي من الانوار والفيوض، وتجعله هو المفرد الى مجموعة من الاتجاهات والابعاد والطاقات والذخائر والاسرار التي لاتتوقف عن التحول والاندغام في اعالي الطبقات والاشراقات والمعارف الماورائية التي لايصلها والذي يصلها وبأستمرار ... انما هي مفاجئة تشبه النعمى ...تتحقق بخطف وخطوط تشبه البرق... يكون فيها قلب الفرد مراة تتلألىء عليها انوار الغيب التي تشتمل على كل شيء وتحيط بالزمان (الماضي والحاضر والمستقبل). هذه المعرفة غبطة لا يحملها الجسد، وحب يوصله بالمطلق الذي صنع الحقائق ومرجعياتها ومستقبلها. بهذه الشرفة ومنها يمكننا ان ندرك اهمية المعرفة وموضوعها (الانسان والمثقف ) والدور الذي يعوله تاريخ البشرية عموماً وتاريخ بلاده على وجه الخصوص..ماهيته الاصلية هذه تمنحه دوراً نبوياً مخلصاًيقرب صاحبه من شخص يسوع الناصري وفي هذا السياق يقول كولبيرخ الشاعر السويدي المعروف "ان على الشاعر ان يكون جندياً في جيش الرب السري" يقاتل من اجل الفقراء ومعهم ... ومن يحيا هكذا سيتحف بان يظهر له يسوع في زوبعة الشوارع والساحات . والمثقف ككائن اعلى يعرف دلالة وثقل وجوده في حركة عصره ، ويدرك الابعاد والمهام التي يلقيها عليه هذا العصر ، لهذا فهو سلطة لايمكن التنازل عن هيبتها وشروطها وهي تتبلور او تتعمق او تكتمل الا في لحظات المواجهة العالية والدائمة مع السلطة الاخرى ( السياسة والمال والدين ) .ذات مرة بعث الخليفة بعضاً من رجاله كي يهددوا ابو حنيفة وهو من اهم مفكري زمانه كي يكف عن نقد سلطته فرد عليهم ابو حنيفة بأن هدد الخليفة بلغة استبطانية فهمها رجاله.. حيث التفت ابو حنيفة الى النخلة مخاطباً اياها:- يا نخلة ان جرتِ اقطع راسك . وفي مستوى اخر من تعبيرات هذه الثقافة القبطانية الشاملة حيث ان لرجل هذه الثقافة مستويات تكوين مركبة تجعله يشبه الكون بحوراً وضفافا ينطوي فيها على (الظاهر والباطن العميق والبصير البعيد والقريب الواضح والغامض).كان وراء التسامح الفذ والوعي العبقري الذي ابداه الحسين ابن المنصور الحلاج وهو على خشبة الصلب ازاء جماعة الغوغاء التي هيأها وزير المقتدر لايذائه والاساءة اليه ... وهذا الوزير يشبه وزراء النظام البائد مع فارق في درجات الثقافة التي يتفوق بها على حسين كامل وعلي حسن المجيد على سبيل المثال لا الحصر .. الحلاج توجه الى الخالق وهو ينزف على خشبة الصلب قائلاً : (الهي هؤلاء عبادك اجتمعوا على قتلي تعصباً لدينك وتقربا اليك فلو كشفت ما كشفته لي لما فعلوا ما فعلوا ولو حجبت عني ما حجبته عنهم لما ابتليت بما ابتليت ... فلك الشكر فيما تفعل ولك الشكر فيما تريد )ان اشراقاً كونياً مهماً كهذا لا يمتلكه الروزخون او رجل الخرافة ، بل المثقف الروحاني الذي يعي – وبعمق نادر – طبيعة وماهية وخصوصية وجوده المنذور لفكرة التغيير وضوء النزاهة والخليقة العالية التي تنقذ العراق من مستنقع الفساد والسرقة والفاقة وانعدام الامان الذي رماه الى عذاب مشروع السياسي الاجنبي والمحلي . هنا نستطيع ان تقدر فداحة موت كاتب روحاني قطب شريف كان يكتفي من زمنه بثوبين احدهما للصيف والاخر للشتاء ومثلهما لزوجته النبيلة والصابرة ... هو المثقف القطباني هادي العلوي الشيوعي بحق والانساني بحق والثابت على مبادئه بحق . وللحق وبالحق على الحق فوق الحق اوقف جلَّ وجوده ومشروعه المعرفي المشاعي الذي تقاسمه حب الخلق وراحتهم والاشتغال في مستويات الوعي العالية ، الباحثة في التخوم عن حقائق العالم الجوهرية . من منحة وجودنا ووطننا الحالية .. نحتاج للخروج من ظلام الردة والتخلف والخرافة والفساد واثار الفاشية الى مثقف جهود مثقف نبيل من طراز هادي العلوي ، وليس مثقفا يهادن السلطة ويقف على بابها ويسكت عن ارتكاباتها بحق المجتمع والابداع والمستقبل... مثقف لا يقبل بمقابلة المسؤول قبل ان يأتي هذا المسؤول وهو يحمل بيده محضر التحقيق في قضية اغتيال كامل شياع . مثقف تتكثف فيه جهات الارض وأقاصي المعرفة، ومحبة الإنسان الذي يرى في رفاهيته وكرامته وتطوره وسلامته وخدمته هدفاً اولا وأخيراً في خريطة نضاله الفكري الطويل.. لا المثقف الذي اتنهت طموحاته عند حدود الوظيفة او الكرسي او الراتب الذي حصل عليه، وتحول له عبدا فرحا بأسباب عبوديته المخجلة.
مثقف ككائن اعلى
نشر في: 14 مارس, 2010: 05:25 م