كاظم موسى الاقتصاد الحر أو ما يعرف باقتصاد السوق ، يمنح القطاع الخاص دور القائد والموجه للاقتصاد ، بخلاف الاقتصاد الموجه أو المختلط ، الذي يكون القطاع العام المخطط والموجه له ، مع تباين سياسة الدعم السلعي فيما بينهما .
فمن سمات اقتصاد السوق تقنين سياسة الدعم من دون إلغائها، إذ تنحو الدول الرأسمالية العريقة إلى تخصيص مبالغ كبيرة من مواردها لدعم سياسة الدعم السلعي ، سواء كانت على شكل سلع مخفضة الأسعار أم خدمات كالتامين الاجتماعي والصحي أم على شكل دفعات نقدية كالإعانات والقروض الميسرة ... وعلى سبيل المثال تخصص ألمانيا ما نسبته 8 % من ناتجها المحلي لذلك الدعم والسويد 10 % ويصل في فرنسا إلى 12% إما في جمهورية مصر التي بدأت بالتحول من نظام رأسمالية الدولة إلى نظام الاقتصاد الحر ، أوائل سبعينيات القرن المنصرم تصل نسبة تخصيصات الدعم السلعي إلى 18 % من الموازنة العامة ، فلقد خصص مبلغ خمسة مليارات جنيه مصري ، نحو ( مليار دولار ) في موازنة العام 2007 لدعم صناعة الخبز فقط.فالدول الرأسمالية لديها سياسة دعم سلعي متحركة تواكب حركة الاقتصاد ومستويات التضخم النقدي ، للمحافظة على مستويات معيشة مقبولة لشريحة محدودي الدخل في ظل ازدهار القطاع الخاص وهيمنته على مفاصل الاقتصاد .وقد عبر عن ذلك مستشار ألمانيا الغربية السابق ( هلموت شميدت ) قائلا : ( لدينا حصانان ، حصان الأسعار وحصان الأجور ، ينبغي لحصان الأسعار أن لايدرك حصان الاجور ) ذلك في ظل واقع خدماتي من الطراز الاول ، وحد ادنى للاجور يبلغ نحو (3000 ) دولارا شهريا .اما سياسة الدعم السلعي التي تميز الاقتصاد العراقي، الذي بدأ ينحو صوب اقتصاد السوق تعاني من اشكالية الاملاءات الخارجية ،عبر منظمات ذات صبغة اقتصادية دولية ، ترسم الخطوط الرئيسة للاقتصاد العراقي ، الذي لا يزال اقتصاد رأسمالية دولة ، وضمن دائرة الفوضى ، التي دخلها اوائل ثمانينيات القرن المنصرم ، وتلك المرحلة تلي مرحلة الانهيار الاقتصادي ، وفق قوانين الاقتصاد ، التي غادرها الاقتصاد العراقي اواخر عقد الثمانينيات المنصرم ليدخل مرحلة الفوضى ، والتي لازالت السمة الطابعة له ، جراء حالة الحروب والنكبات التي عصفت بالعراق منذ العام 1980 صعودا الى يومنا الراهن . تلك المنظمات التي تملي على الاقتصاد العراقي ، واقعا جديدا ، يتمثل بتقنين سياسة الدعم السلعي في المرحلة الاولى ثم الغائها بالكامل في المرحلة الثانية تحت عناوين الاصلاح الاقتصادي والتحول صوب اقتصاد السوق وتسوية الديون وتشجيع الاستثمارات الخارجية .ذلك في ظل غياب كامل لدور القطاع الخاص ، الذي يفترض قيادته لمرحلة التحول الاقتصادي التي تعتريها مستويات البطالة والعنف وتبعية القرار الاقتصادي للقرار السياسي على المستويين الداخلي والخارجي ، اذ لا يزال المورد الرئيس للاقتصاد العراقي المتمثل بمبيعات النفط ، يأخذ طريقه الى ما يسمى ( بصندوق تنمية الصادرات ) والذي تديره منظمة الامم المتحدة ، مايجعل سياسة الدعم السلعي في اشكالية تتراوح بين الاملاءات الخارجية والحاجة الفعلية لاستثمارها ، في ظل ارتفاع وتائر التضخم النقدي الذي يتأثر سلبا جراء رفع اسعار المحروقات بنسبة ( 2250 % ) خلال 18 شهرا، في معادلة فريدة من نوعها ، احادية الحدوث، نجم عنها مزيدا من الحاجة الى سياسة الدعم السلعي جراء تراجع القيمة الحقيقية للعملة الوطنية ( الدينار ) بفعل تتابع موجات ارتفاع الاسعار ، برغم خطوات البنك المركزي بتحسين سعر صرف الدينار مقابل الدولار الامريكي ، الذي يعد مسؤولا عن خسارة مبالغ كبيرة من المال وصل الى 4 مليارات دولار ، تكبدها الاقتصاد العراقي ، جراء تذبذب سعر صرفه امام سلة العملات الاخرى .تتمثل تلك الحاجة بدعم مفاصل الحياة المعيشية للشريحة الكبرى في المجتمع (شريحة الفقراء)، التي تشهد تضخما واضحا في اعدادها ، لتشمل ذوي الاعمال البسيطة والمتقاعدين وشريحة كبيرة من الموظفين ذوي الرواتب المنخفضة ، كذلك المستفيدين من نظام الاعانات الحكومية المعروف بشبكة الحماية الاجتماعية ( تحت خط الفقر)، والتي تعاني من انخاض مستويات الدفعات النقدية بشكل واضح ، اذ ان مبلغ الـ (100 او 120 ) الف دينارا التي يتقاضاها مستفيد واحد من تلك الشبكة متطلبات حياته المعيشية مدة اسبوع واحدة ناهيك عن عائلة متكونة من عدد من الافراد ، بمثل المبلغ المذكور معادلة شرائهم لمادة الخبز أو الصمون ، لشهر واحد فقط . الى جانب اعتماد تلك الشريحة بشكل كبير على نظام التقنين الغذائي ( البطاقة التموينية) برغم حال الاهتزاز التي تمر بها والتي سينجم عن عملية التقنين والالغاء ، مزيدا من الحاجة الى سياسة الدعم السلعي التي تعاني من اشكالية واضحة تتراوح بين دعوات تقنينها والغائها وبين الحاجة المتزايدة لبقائها وتوسيعها خصوصا في ظل ايقاف العمل بنظام التقنين الغذائي ( البطاقة التموينية ) والذي سينجم عنها ، دفع اعداد متزايدة من السكان الى ما دون خط الفقر ، يشمل 32 % من سكان العراق حاليا ، وفق تقديرات حكومية غير دقيقة ، اذ تفوق النسبة ذلك كثيرا ، وق
إشكالية سياسة الدعم السلعي
نشر في: 15 مارس, 2010: 04:57 م