محمد مزيد ربما الحديث عن الديمقراطيات في الوطن العربي، سيكون حديثا ليس شيقا ومملا ولايبعث في النفس النشوة والشعور بالاريحية ، لاسباب كثيرة لانستطيع تفصيلها في هذه المساحة ، غير اننا يجب ان نشير بطيب خاطر الى التجربة الديمقراطية في لبنان على ما فيها من نجاح وكلام واسئلة ومراجعات ، ونقول انها تجربة محترمة تستحق التأمل والدراسة ، كما انها تفوقت على نفسها ..
مناسبة هذا الحديث ، هي التجربة الرائعة والكبيرة التي يخوضها ابناء بلادنا في التطلع الى الديمقراطية الناشئة ، وما يمكن ان يقال فيها من كلام نعتقد انه يثلج الصدر ويثيرالشعور بالاريحية .فعلى الرغم من الاموال الطائلة التي اغدقتها هذه الدولة العربية او تلك لايقاف عجلة الديمقراطية ، وبالرغم من سعي « متضرري « العملية السياسية الى الهجوم بكل ما اتيح لهم من سلاح ومفخخات وعبوات لاصقة وناعقة ، وبالرغم من سعارهم المحموم الى جعل البلاد ساحة لنزعاتهم الحروبية المريضة لتدمير الحرث والنسل ، الا ان الذي حصل ان العجلة لم تتوقف ، وان « نعيق « غربان الشؤم ، محليا وعربيا وحتى دوليا ، وكل الاساليب التي اتبعوها ، للوقوف بوجه يوم الديمقراطية الجميل بهدف صد زحف الناس الى صناديق الاقتراع ، كان مجرد نعيق بائس نفرت منه الناس وتحدته بشجاعة وكبرياء عظيم .لقد كانت الساعة الاولى من يوم 7 آذار ، هي الساعة التي اطقلت فيها الصواريخ على رؤوس الناس الابرياء من قبل تلك الشرذمة المنبوذة الناعقة ، عنوانا لتأريخ ابيض يكتبه العراقيون مرة اخرى في صناديق الاقتراع .لايتسع مجالي لنقل كل الصور النابضة بالحياة ، في رقعة مشاهداتي للناس الذين التقيتهم في تلك الساعة ، كيف انهم وجدوا في القذائف العمياء التي سقطت في غير مكان من بغداد ، سبباً للاندفاع الى مراكز الانتخاب .وهنا لابد ان نذهب الى تفكيك الشيفرات المثيرة والمذهلة التي لابد للدارسين في يوم ما من وضع الاطار لها كي تعمم كدرس اكاديمي قد يفيد الانسانية في سعيها الى التقدم .. ففي الوقت الذي كانت القذائف تتساقط ، كان يقابلها اندفاع غير منظور للقول نعم للحرية ، نعم للانعتاق ، نعم للديمقراطية .. ولن انسى ما حييت ذلك الرجل العجوز و « عجوزه « وهما يتكئان على بعضهما البعض يحملان بطاقتي التعريف الشخصية ويتقدمان فرحين الى مركز انتخابي قريب من بيتي ، وعرفت من اندفاعهما اي اصرار ووفاء للوصول الى صندوق الاقتراع وممارسة حقهما الانتخابي .الم اقل ان الحديث عن ديمقراطية بلادنا الناشئة يثير في النفس الاريحية والحسد ؟ نعود الان الى تحليل دوافع حقد الاخوة المجاورين لنا ، ونتساءل عن سبب « طنطنتهم « في الوقوف ضد نجاح الديمقراطية في العراق .. ولن اخوض في الاسباب لانها معلنة في الكيفية التي نقرأها ونسمعها ونشاهدها من خلال وسائلهم ا الاعلامية ، وكيف « سحن « الغيظ كل خلية في اكبادهم ، بل سأخوض في الجانب المريح من المسألة ، وهو ان طريق الديمقراطية في العراق سيكون فاتح شهية للشعوب العربية المنكوبة بالحكام ( رئيس مدى الحياة )، وسيكون نورا في مهرجان الظلام الذي تحيا فيه المنطقة العربية ببقاء الدكتاتوريات غافلة عن حركة التاريخ المعاصر.. التاريخ الابيض الذي يكتبه العراقيون اليوم وغدا .. ولعل وفاء المرأة العجور وزوجها سيكون درسا لقيم اخلاقية حقيقية جاءت بها ادبيات الديمقراطية العراقية الوليدة .
نافذة على العالم: التأريخ الأبيض
نشر في: 15 مارس, 2010: 06:34 م