علي حسن الفواز البعض يتحدث دائما عن جيل ذهبي للشعراء والمثقفين والسياسيين، هذا البعض يستعيد من خلال شهوة الحديث، امجاد وامتيازات هذا الجيل(الباسل) والتماهي مع اعادة فتح ملفات فتوحاته ومغامراته المفترضة في كل مناسبة للحوار الشعري او حوار الاجيال والجماعات الشعرية، اذ يؤسس له شرعنة دائمة وثابتة وسط سيولة غير متناهية للزمن الثقافي،
وتوصيفا مفرطا في مدائحه وحسناته، يعلي من شأن منجزاته العالية في الثقافة والإبداع والجمال والحرفنة، حتى يبدو وكأن كل شعراء الأجيال الأخرى هم (فالصو) ومن أصحاب المعادن المغشوشة امام لمعان هذا الجيل النقي والخالص الذي يصطنع له مريدين ومروجين ومقلدين.وللأسف فان العديد من النقاد والباحثين وكتاب الإعلام الثقافي والقيمين على رؤوس الأقسام الثقافية في الصحف والمجلات والقنوات الفضائية، والبعض من نقادنا المكرسين في وسائل الإعلام العربية دأبوا على زيادة جرعات هذا التوصيف ومنح اصحابه توصيفات مضافة تدخل في حسابات التاريخ والفن واحيانا في السياق الاكاديمي، فضلا عن تكريس نجوميتها في العقل الشعبي، تحت تهويلات نظرية اخلاقية وليس شروطاً نظرية ثقافية تقول ان هذا الجيل الذهبي الذي ينتمي لزمن ثقافي او لطائفة ثقافية او لمرحلة ثقافية ينتمي الى جيل الاباء الصانعين لجينالوجيا الخلق، وفي هذا التوصيف فان الاباء هم الاباء والابناء هم الابناء، ولايحق للطرف الثاني حسب هذا التوصيف ان يتجاوز على الحقوق الملكية والاعتبارية للطرف الاول، لان هذا التجاوز يمثل خرقا يتجاوز حدود اللياقة والتهذيب لقاعدة رعوية اخضعت التاريخ الابوي والمؤسساتي لمقايسة غريبة شملت على ما يبدو بيان لوائح وامتيازات ووصايا حقوق توزيع الثروات وحقوق توزيع القصائد وتدبيج المدائح لهم في كل شأن وحين.الوجود الافتراضي والنقدوي للجيل الذهبي صنع بالجوار منه انماطا معقدة ومهيمنة من دروس واسعة تكرست في نظام التربية الذوقية، تلك التي مازالت تصنع اصحاب وصايا ذوقية تفرض شروطها على اشاعة الذوق العمومي الذي يقول ان كامل الخلعي هو اعظم مطرب في القرن الواحد والعشرين، وان سيد طبانة هو اعظم موسيقار انجبه عصر الجاز، وان سليمة خانم هي اعظم مصممة ازياء في عصور ما بعد الحداثة، وان شعراء القبائل في الجاهلية هم الذين ابتكروا لعبة المكان في الشعرية العربية ولايحق لأصحاب الحداثات ان يروجوا لبضاعتهم الجديدة وافكارهم وتقنياتهم لانها ستكون عندئذ تجاوزا على حقوق الملكية الفكرية للغير ومن حق عنترة ان يقاضي ادونيس وطرفة بن العبد له كامل الحقوق لمقاضاة انسي الحاج على نثريته الفاضحة..الجيل الذهبي والجيل الفضي والبرونزي هي خدعة اعلانية وتعليمية قبل ان تكون خدعة ذوقية وثقافية ،لان التعليم الثقافي العربي فشل وللاسف في تحسين خلق عقل نقدي في المدرسة والجامعة، مثلما فشل في تحسين مستوى الاداء المدرسي، ونقله من منظومات ساطع الحصري الى عوالم الحداثة والتنوير والتجديد وثقافة الصورة والمعلوماتية، وبالتالي العجز عن إيصال أفكار الحداثة وقيمها واسئلتها واسماها وصدماتها الى الذائقة العربية، وربما الحث على تحريمها ومنع تداولها وجعلها في حكم الكفر المعرفي ! كما ان الجامعات العربية خاصة في مجال العلوم الإنسانية فشلت هي الأخرى وبامتياز في ان تصنع ظاهرة شعبية وتعليمية للثقافة الحديثة، فهي مازلت تؤمن بالدرس التاريخي المشروح والمطمئن اليه من الرأس حتى القدم، تروّج لخصوصية شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك، على انه الشرح البلاغي والنحوي والصرفي الذي لاينوشه الباطل من خلف او قدّام، وتحرّض على قراءة عودة الشيخ الى صباه باعتباره النص الأكثر حرية من أية حداثة للجسد والفكر، وتبشّر في درسها التعليمي لطلابنا بشروط كتابة القصيدة وفق مزاج المرزوقي وابن طباطبا وابن قدامة وغيرهم ، بأنها الكلام الموزون المقفى وصاحب المعنى، وما عداها فهو باطل وخارج عن اجماع الأمة ودعوة للتفرنس والتنكلز والتأمرك.تاريخ هذه المشكلات ليس طارئا وليس وليد الامبريالية الأمريكية والخصخصة البريطانية ولا مصنوع او مصمم وفق الدوافع الفرانكفونية،اذ ان ثقافات المؤسسة العربية التقليدية ظلت للأسف ثقافة صناديق عائلية، فعلها الثقافي لا يخرج عن ثقافات الايديولوجي والاصولي والحكومي، وان ثقافات اليسار العربي التي سادت في الستينيات والسبعينيات بكل ضجيجها وشعاراتها، فقدت هي الاخرى الكثير من امتيازاتها واغواءاتها، وتحولت الى ثقافة استعادات بعد ان يبدّل ايقاع الزمن السياسي والثقافي، اذ ضاعت قبعة جيفارا، وصرخات فرانز فانون، وحضور افكار هنتغتون وفوكوياما وغيرهم، رغم ان هذا اليسار الثقافي قد صنع له جيلاً ذهبياً ايضا مارس كارزماته على العقل الثقافي سنوات طويلة انحسرت فيه الشعرية بين اوهام الشعارات ومحدودية الاستعارات..فهل نستعين بفرسان استثنائيين على طريقة فرسان الكونت دي مونت كرستو لانقاذنا من امراض السلالة الذهبية ؟وهل ندعو كل المتضررين من هذا التقسيم الظالم لثورة طبقية يلغى فيها التوزيع العائلي والسلالي
شعـراء ذهبيـون.. شعـراء معـادن مغشوشـة
نشر في: 16 مارس, 2010: 05:59 م