TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > كلام ابيض :المتقاعد الأخير

كلام ابيض :المتقاعد الأخير

نشر في: 16 مارس, 2010: 06:19 م

جلال حسن بحزن ثقيل، استلم " أبو جاسم" هوية مديرية التقاعد العامة، وتوارى في أزقة محلة الشواكة. أبو جاسم لم تتعبه إجراءات المعاملة التي اخذت منه شهورا في المراجعات والمناكدات، ولكن حال استلام الهوية أحس هناك حياة اخرى بانتظاره، حياة تختلف في إيقاعها وهواجسها وليلها وفي قضاء ساعاتها، قد تخيفه كلمة متقاعد، وتشعره بالبطالة القسرية، لأنه يدرك تماما أن السعادة الحقيقية في العمل المضني الشاق.
هكذا كان يقول لأبنائه وأصدقاء العمل: إن سعادة الانسان تتحدد بمقدار العطاء، والسعادة آية سماوية تقرأ في عيون المحتاجين اليها، وان وصف سعادة لا يوازيه الاطمئنان بالمفهوم العام، بقدرما يفتح نافذة كبيرة للامل ترتسم بالشعورعلى حفظ الانسان لكيانه، ووجوده واحترام انسانيته بالأمان، والطمأنينة على أدنى تقدير، كان أبو جاسم يلمس هذا بوضوح فور إنجاز معاملات المواطنين من طالبي او طالبات التعيين، أثناء خدمته وفي دمغته الاخيرة على صدور أوامر التعيينات، يحس ذلك بوضوح في عيون الناس، وكيف تنطلق كلمة شكرا من قلب صادق.هذه الكلمة " شكرا "  قالها أبو جاسم هذه المرة لموظفة الصادرة في مديرية التقاعد العامة، كأي مراجع على تسلم الهوية الاخيرة، بعد ان قضى اكثر من ثلاثين عاما خدمة  في دائرته تحت علم العراق، ولكن في قلبه اشتياق وحب لدائرته الاولى التي دخلها شابا يافعا يملؤه فيض من نشوة العمل، والإصرار على متعة انجاز المعاملات خارج ساعات الدوام الرسمية بعد ان يكملها في بيته. الان تجاوز السن القانوني وبات الامر واقعيا في إحالته على التقاعد لأنها التعليمات الحكومية.  أبو جاسم كان يحلم قبل ان يتقاعد بأن أيامه الاخيرة ستكون نزهة خيالية حول العالم تصل الى اسوار الصين، والسباحة في شلالات  نياغرا، وتعمقا في اكمال المشاريع الشخصية المؤجلة، وان راتبه التقاعدي سيكفيه ويوفرمنه دخلا محترما يجعله لا يشعر بالعوز ولايمد يده لأحد، بل كان يتصور انه سيبقى سيد البيت والاب الناشط الى ما تبقى من العمر. ولكن واقع الحال شيء اخر، أشعره بإحساس المطالبة هذه المرة بزيادة الراتب لانه لا يسد رمق الجوع، ولم يفارقه شعور غريب بهامش الحياة من خلال الفراغ الكبير. وانه لم يعد قادرا على العمل في مجابهة الظروف الحياتية الصعبة. أبو جاسم له امنية واحدة فقط قالها بألم وحزن دفين، وهي ان لحظة العمر فاصلة وحدا كونيا، وانقضاء السنين تشمل الجميع من دون استثناء، لذلك  قال:علينا إرساء نظام الضمان الاجتماعي، ومن المعمول به في الدول المتقدمة والمطالبة بتطبيقه، لانه ضمانة اكيده تكفل العيش الرغيد والبقاء بكرامة مرفوعة.jalalhasaan@yahoo.com

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram