TOP

جريدة المدى > مواقف > مقبرة الأحزاب :الأفكار تموت أيضاً

مقبرة الأحزاب :الأفكار تموت أيضاً

نشر في: 16 مارس, 2010: 06:45 م

عن/ وكالة آي بي أسلأفكار تموت أيضاً. وتكتظ مقبرة الأحزاب ببقايا تنظيمات أشعلت المشاعر وألهبت الجماهير ثم وقعت طي النسيان. فمن يتفق في أوروبا على الراديكالية في يومنا هذا، بعد أن كانت واحدة من أهم القوى السياسية (الوسط-اليسار) على مدى النصف الثاني من القرن التاسع عشر؟ وأين ذهبت»الأناركية»؟ والشيوعية الستالينية؟ وما الذي حدث لتلك الحركات الشعبية الجبارة وتعبئتها لملايين العمال والمزارعين والريفيين؟ هل كانت مجرد موضة عابرة؟
 تقف الديمقراطية الاجتماعية الأوروبية الآن على حافة القبر جراء كل ما تنازلت عنه وتراجعت بشأنه بل وهجرته، فيبدو أن دورتها الحياتية قد أوشكت على الانتهاء.بيد أن ذلك يحدث في وقت تجتاز فيه غريمتها الأزلية -الرأسمالية المتناهية في الليبرالية- أحد أسوأ مراحلها، فكيف يمكن إذن أن تحتضر الديمقراطية الاجتماعية بينما تنغمس الرأسمالية متناهية الليبرالية في أزمة قاسية؟ الرد واضح: لأن الديمقراطية الاجتماعية عجزت عن توليد الحماسة الشعبية الواجبة، وذلك نتيجة لضعف استجابتها للمشاكل الاجتماعية الملحة القائمة، فتتلمس الديمقراطية الاجتماعية زعامتها دون بورصة أو نظرية، من دون تنظيم أو أفكار، دون مذهب أو توجه، ودون هويته، وهذا أدهى وأدل. الديمقراطية الاجتماعية كانت تنظيما أُفترض أنه أشعل ثورة، لتنصرف عنها فيما بعد. كانت أحزاب العمال، لتنحسر اليوم كحزب لطبقة حضرية متوسطة ومرتاحة، لقد دللت الانتخابات الأخيرة على أن الديمقراطية الاجتماعية الأوروبية لم تعد تعرف كيف تستجذب ملايين الناخبين، أولئك الذين يقعون ضحية عالم ما بعد التصنيع الوحشي الذي أحضرته العولمة، إنهم أولئك الملايين من العاملين «القابلين للاستعمال لمرة واحدة»، والفقراء الجدد في الضواحي، والمهمشين، والمتقاعدين حتى لو كانوا في سن العمل، والشباب المعرضين للخطر، وعائلات الطبقة المتوسطة المهددة بالعوز، وعامة كل الفئات التي أحلت صدمة النيوليبرالية اللعنة بها، في منظور كل هذه الملايين، لم تعد الديمقراطية الاجتماعية قادرة فيما يبدو على تقديم رسالة أو حل وأعطت الانتخابات الأوروبية في يونيو/ 2009،حزيران مؤشراً واضحاً على حالتها الكارثية.فقد تقهقرت غالبية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية الحاكمة تقهقرا مدويا، وكذلك الأمر بالنسبة لنظيراتها المعارضة، خاصة في فرنسا وفنلندا، إذ عجزت عن إقناع المصوتين بإن لديها ردا على التحديات الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على غرق سفينة الرأسمالية، ودليل آخر على فشل الديمقراطيين الاجتماعيين في تبني منظورا مختلفا عن منظور قيادة الإتحاد الأوروبي، ما قدمه رئيسا وزراء أسبانيا خوسيه لويس ثاباتيرو، وبريطانيا غوردون براون، من دعم مخزي لانتخاب جوزيه مانويل باروسو -السياسي متطرف الليبرالية- كرئيس للمفوضية الأوروبية.والمعروف أن جوزيه مانويل باروسو كان هو «الرجل الرابع» في قمة جزر أزوريس في مارس 2003 التي اجتمع فيها جورج بوش وطوني بلير وخوسيه ماريا أثنار، لاتخاذ قرارهم في حرب العراق.وقد يجدر التذكير بأن الديمقراطيين الاجتماعيين كانوا يمارسون الحكم في 15 دولة أوروبية في عام 2002، أما الآن، وعلى الرغم من إفلاس الليبرالية المتطرفة اجتماعيا وأخلاقيا وبيئيا جراء الأزمة المالية، يحكم الديمقراطيون الاجتماعيون مجرد خمس دول، الا وهي أسبانيا، اليونان، البرتغال، المجر، والمملكة المتحدة، فهم لم يعجزوا فقط عن اغتنام الفرصة، بل وسينتهي الأمر بحكومات ثلاث دول منها -اليونان، أسبانيا، البرتغال- بأن تفقد المزيد من مصداقياتها وشعبيتها تحت وطأة أزمة الأسواق المالية والديون، الآن وقد شرعت في تنفيذ برامج التقشف والسياسيات غير الشعبية الوليدة عن منطق الاتحاد الأوروبي ومن يقوده، فالواقع أن تنصل الديمقراطيين الاجتماعيين الأوروبيين لمبادئهم وأصولهم قد أصبح داءً مزمناً، فقد قرروا منذ سنوات تبني مذهب الخصخصة، وتقليص ميزانيات الإنفاق على المواطنين، والمناداة برفع سن التقاعد، وتفكيك القطاع العام، وتشجيع اندماج الشركات العملاقة، وتدليل المصارف. فتحولت الديمقراطية الاجتماعية رويداً.. رويدا ودون تأنيب للضمير، إلى ليبرالية اجتماعية، وأسقطت من أولوياتها أهدافا كانت تشكل جزأ لا يتجزأ من تركيبتها الحيوية كالعمالة للجميع، والدفاع عن المنافع الاجتماعية المكتسبة، وتنمية الخدمات والمرافق العامة، واستئصال الجوع والفقر.فحتى ثلاثينيات التسعينيات كانت الديمقراطية الاجتماعية، بدعم من اليسار والنقابات، تتصدى لمحاولات زحف الرأسمالية، من خلال مبادرات مبتكرة وتقدمية: حق الاقتراع للجميع، التعليم المجاني للجميع، حق العمل للجميع، والتأمينات الاجتماعية للجميع، وغيرها. أما الآن، فتفتقر الديمقراطية الاجتماعية الأوروبية إلي رؤية اجتماعية جديدة. لقد تغيرت الأزمان وغلب حتى على أقل المقتدرين، القول القائل بأن الاستهلاكية قد انتصرت ومعها الرغبة في الثراء والمتعة والوفرة.وفي مواجهة مذهب التمتع المهيمن هذا، المختوم بشكل دائم في أذهان الناس عن طريق الإعلانات بدون هوادة وتلاعب وسائل الإعلام، لم يجسر قادة الديمقراطية الاجتماعية الوقوف ضد التيار. فقد عملوا على إقناع أنفسهم بأنفسهم أنه من غير المؤكد أن الرأسماليين يثرون على حساب استغلال العمال، وإنما العكس تماما، أي أن الفقراء يستفيدون من الضرائب التي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

العراق يعاني نقصاً فـي تجهيزات المصابين بالأمراض العقلية
مواقف

العراق يعاني نقصاً فـي تجهيزات المصابين بالأمراض العقلية

ترجمة : عمار كاظم محمد كانت أسماء شاكر، أحد المرضى الراقدين في مستشفى الأمراض النفسية في  بغداد، تجلس على بطـّانية مطبوع عليها صورة نمر ، كانت عيونها متثاقلة، فقد بدأ مفعول الأدوية بالعمل ،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram