علي حسن الفوازيبدو ان الحكومة القادمة ستكون حكومة كهربائية بامتياز، وان ميزانياتها ستكون ذات اثر كهربائي، لان ملف الكهرباء غير المنجز طوال سنوات سيظل مفتوحا أمام الجميع بدءا من الجهد البرلماني وانتهاء بمسؤولية مجلس الوزراء، فضلا عن طبيعة اختيار وزير الكهرباء الذي سيضع نفسه أمام رهان جماهيري واسع، وأمام تحديات ستحدد مستقبله الوزاري والكهربائي في آن واحد
الكهرباء الوطنية تحولت إلى همّ وطني، والى مشكلة وظفها البعض للأسف في لعبة التسقيط السياسي، حتى تحولت إلى شعار عالي الصوت، يدعي رافعوه بان انتخابهم يعني وصول الكهرباء الى بيوت عباد الله الناخبين طبعا! دون انقطاع مبرمج. مثلما ان مشكلة الكهرباء تعكس الطبيعة الغرائبية لفهم المؤسسة الخدماتية وإجراءاتها في تأمين الخدمات العامة ومنها الخدمات الكهربائية، والتي ورثتها الدولة الجديدة مع الأمراض المعدية التي تركتها الدولة القديمة، إذ أن المنظومة الكهربائية قديمة منذ الستينيات كما يقول البعض ولم يجر تحديثها بسبب انشغال النظام السياسي بهموم غير كهربائية، وهذا الأمر أصاب البنية الاقتصادية والمجتمعية بأضرار واسعة بحكم اتساع الحاجة الى الكهرباء اولا، وسرعة نمو السكان في العراق ثانيا، واتساع استخدام الحاجات المنزلية التي باتت كهربائية الروح والهوى ثالثا، وكذلك السرقة المفضوحة للجهد الكهربائي لإدامة جهد التصنيع العسكري ومؤسسات النظام السياسي رابعا.واحسب ان مشكلة الكهرباء كانت اكثر ضحايا النظام السابق جرّاء حروبه العبثية، اذ انها تعرضت للقصف والتخريب والاهمال المباشر، وان الحلول القديمة لها اقترنت بالكثير من الفساد حيث قام احد وزراء الكهرباء السابقين في نهاية التسعينيات بأكبر عملية احتيال حينما ابدل شراء المحولات الكهربائية الجديدة بمحولات(اكس باير) الأمر الذي ترك الكهرباء لأمراضها القديمة التي ورثتها الدولة الجديدة، والتي خضعت للاسف للكثير من الشدّ والجذب والنهب والإفساد داخل العملية السياسية وداخل فضاءات الصفقات التي لا نعرف مرجعياتها وملفاتها، خاصة وان هذه العملية اكتفت بنوع من الفرجة الوطنية ولم تتحول في مراحلها الأولى الى عملية خدماتية صحيحة، الأمر الذي أصاب الكثير من مفاصل الحياة العراقية وفي مجال خدماتها بشكل خاص بتلكؤ خطيرة تحولت فيها المشكلة الكهربائية الى مشكلة وطنية من العيار الثقيل.ولعل الأدهى من ذلك ان الكثير من البرلمانيين المسؤولين عن الجانب الخدماتي وضعوا الكثير من المعوقات أمام أي جهد لمعالجة هذه المشكلة من منطلق تسييس الملفات والعلاقات مع الحكومة، وهذا السلوك غير الخدماتي أصاب الناس بالإحباط واليأس، حدّ ان الكثير من استطلاعات الرأي العام كانت تؤشر طبيعة هذا الإحساس التراجيدي عند قطاعات واسعة من الجمهور. من هذا المنطلق نجد ان ابرز مهمات الحكومة الجديدة ينبغي ان تكون ممارسة دور المسعف الكهربائي، وإنقاذ الحياة العراقية من أمراض العطالة الكهربائية، واحسب ان نجاح الحكومة في معالجة الملف الكهربائي سيجعلها ناجحة في معالجة كل الملفات الأخرى، لان السياسة بدون كهرباء ستكون باردة ولا طعم لها، وان البيوت بدون كهرباء ستكون أشبه بالكهوف، وان إعادة هيكلة ظاهرة(المولدات)المنزلية ومولدات الشارع يعني السيطرة على أوسع أنهاك اقتصادي تتعرض له ميزانيات الأسر العراقية، وكذلك السيطرة على واحد من ابرز مخربات البيئة العراقية التي باتت تهدد الأوزون الوطني بثقوب وشقوق واسعة وخطيرة..معالجة هذه المشكلة لم تعد تتحمل التأجيل ولم تعد مفتوحة لمزيد من الجدل البرلماني، انها مشكلة المشاكل، لان استمرار البرودة الكهربائية وانقطاعاتها المبرمجة وغير المبرمجة تعني إبقاء الجسد الوطني مصابا بإعراض انخفاض درجات الحرارة التي كثيرا ما تقود الى تخريب جغرافيا البلاد والعباد وتخفيض مستوى المقياس الحضاري للتنميات والبهجات التي باتت أموراً كهربائية خالصة.
هل يمكن أن تكون الحكومة القادمة كهربائية بامتياز؟
نشر في: 19 مارس, 2010: 04:07 م