TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > محمد شراره: من السياسة إلى الشعر خطوة واحدة

محمد شراره: من السياسة إلى الشعر خطوة واحدة

نشر في: 19 مارس, 2010: 04:17 م

هنري عبد الله عيدتكتب بلقيس شراره عن والدها، بل ترسم بريشتها لوحات في وصف مبدع. هذه الريشة، تعلّقت بأناملها تعلّقها وعشقها لأنامل كبار الفنانين، فما ترسمه ليس غريباً وخارجاً عنها، بل حياة عاشتها مع والدها وعائلتها. ذاقت حلاوتها ومرارتها امتصّت خلالها رحيقاً لتعطيه اليوم شهداً. تكتب وفي كتابتها عفوية وشفافية؛... عن حياته ومعتقداته وشعوره وآلامه، عن وطن مزّقته الأحداث، أحبّته وترعرعت وعاشت فيه، هو العراق، وعن وطن أمها وأبيها وأهلها هو لبنان.
محمد شراره هذا العصامي النشيط ابن بنت جبيل، أرسله والده إلى النجف ليتحصّن بالإيمان ويعود فينشره مرسّخاً التقاليد. لكنه خلع عنه العمامة بعد نيله شهادة الاجتهاد، وتحصّن بالفكر والعقل، وسار في طريقه جريئاً مقداماً، فلم يلق طوال حياته التي خرج فيها عن التقاليد والرجعيات والتقوقع والتحجّر إلاّ الاضطهاد. تحرر من عمامته لكنه تمسّك بدين الإنسان في كل زمان ومكان. سلك الممرّات الصعبة، فمضى قُدماً نحو قمم الفكر والتطوّر والرقي دون مساومة أو مواربة أو مراوغة مهما بلغت عظمة خصمه، وأحتكم للعقل وللواقع، ونبذ الوهم والإيحاءات والغيبيات... فكان يُفصل أحياناً من عمله في التدريس أو ينقل تأديباً من وظيفته إلى وظيفة أخرى أو مكان آخر تحت تأثير التقلّبات السياسية والاضطهاد تعسّفاً، فتُنـزع عنه الجنسية بسبب مواقفه والمقالات التي كان ينشرها في الجرائد، حتى استقر أخيراً في بغداد بعد أن اضطر للعيش أكثر من عقد ونصف بعيداً عن عائلته. عرَفتُ محمد شراره من كتاباته وهذا الكتاب(•) فرأيته متواضع النفس شريفاً صادقاً صبوراً على المصائب، مترفّعاً بدون تكبّر. يكره المخادعين والكاذبين، والمداهنين والمتملّقين. صارع الظلم بالعداء، ودافع عن معتقداته، فلقي الأذى بسبب صراحته، التي لم يخف منها عقاباً ولم يأمل منها ثواباً لقد دافع عن الحرية منتصراً على الخوف وعاش بالحق الذي يحرره ويقويه، فهو صريح الرأي لأنه حرّ، حاد الطباع لأنه مرهف الإحساس. "عقلاني المنهج، علماني التفكير، إنساني الانتماء؛ يدحر بجرأة أكاذيب في التاريخ الإسلامي والمزاعم العربية... حكم عليه بالسجن عدة مرات بسبب آرائه وخرج منه، "لكنه دخل منطق العقل ولم يخرج منه فهو كما يقول بروتون: La logique c'est la plus haïssable des prisons.المنطق هو أكره السجون".وتعلّقُ محمد شراره بالأدب العربي تبحراً وتطويراً، دَفَعهُ إلى إقامة ندوات وحلقات حوار ومسامرات أدبية وشعرية ضمّت كبار المثقّفين والشعراء والأدباء: كنازك الملائكة، وبدر شاكر السّياب، ولميعة عباس عمارة، وأكرم الوتري، وبلند الحيدري، وكاظم السماوي وحسن الأمين، وحسين مروه و محمد مهدي الجواهري وغيرهم. وأصبحت داره كما كانت دار والده من قبل ملتقى رجال الفكر والأدب. وكانت الندوات التي يعقدها للجنسين من الشباب والشابات ومن الرجال والنساء تقديراً لمساواة المرأة بالرجل ولفكرها ومقدرتها وعطاءاتها؛ وهي ظاهرة "لم يشهدها العراق في حينه ولا في ما بعد".أجاد الشعر الكلاسيكي المقفّى والشعر الحديث رغم الاعتراضات التي أثيرت حوله وكأني به من رأي ميشو الذي قال: "أين هو الفارق بين الكلاسيكيين أولئك، والمحدثين هؤلاء الذين إذا اختلفت عليهم الكأس، وتبدّل الساقي، بقي لهم جميعاً أن يسكروا بكلمة، ويُسكرونا بها، وأن يقتادوا أذواقنا وأسماعنا إليهم". وتنسجم بلقيس إنسجاماً كاملاً مع والدها في إنتفاضاته ومقاومته وردود فعله الخاضعة لمشيئة العقل، وفي نبذه كل ما حيك من خارق وعجيب وعادات وتقاليد ونصوص دينية تكبّل الإنسان داعياً للتخلي عنها من أجل التنوّر والتنوير. فمحمد شراره اتجه نحو العقل بعد أن كان في البدء يستعمل نصوصاً غيبية في الثلاثينات من القرن المنصرم، وأصبح ماركسيا في بداية الأربعينات متجها لمعالجة قضايا حقوق المرأة وأسلوب التعليم، وحياة المجتمع... فثار ضدّ الرجعية الدينية، وحارب الاستعمار والحكم العثماني والاحتلال البريطاني، وثار على النظم المتوارثة بأفكار جديدة، ناقداً، لاذعاً، ثائراً على كل شيء لا يقرّه منطق، نهم بالعلم والمعرفة لا يرضيه القليل، ولا يعرف الكلل ولا الملل، بحركة دائمة، مؤمن أنّ الجمود يقتل المرء ويدمّر الحياة، مُجدِداً في عهد غلبت عليه التقاليد وسنن المحافظين، يكتب كما يريد مستقلاً برأيه النابع عن شخصية وعقيدة وإخلاص، ثائراً على كل رأي فاسد قديم، "فقد تألّم من الناس وتألّم لآلام الناس". قاوم السلطة والحكّام الظالمين، والتقاليد المتجمّدة البالية البعيدة عن مفاهيم التطوّر، كما قاوم العوز والإحباط والاضطهاد وغالب الدنيا فغلبها أحياناً وغلبته. كان يحترم الإنسان كإنسان بغض النظر عن طبقته وعرقه ولونه وانتمائه الديّني. فالاختلاف العرقي والديني وغيره لا يشكل قاعدة لأفضلية ولا لدونيّة،... شجاع متوقّد الفكر كبركان يثير من حوله، فبالرغم من الحزن الذي ألمّ به عند سقوط فلسطين، كان يميّز اليهود كشعب، وأحياناً يدافع عنهم، خاصة عندما قويت الضغوطات عليهم فتركوا العراق. لكنه كان يكره دولة دعمتها الصهيونية العالمية واغتصبت بذلك أرض الشعب الفلسطيني، الذي هجّر من دياره ليعيش في غربة دائمة.عايش الانقلابات واقتنع بأنه: "عندما تصبح الانقلابات والانقلابات المضادة سائدة، تقترن العقلية الانقلابية دائماً بالتآمر. ويصبح

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram