TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > شهادة في كتاب بلقيس شرارة محمد شرارة

شهادة في كتاب بلقيس شرارة محمد شرارة

نشر في: 19 مارس, 2010: 04:19 م

محمد زينو شومانلسيرة محمد شرارة كما ترويها بلقيس محمد شرارة مدلولان عميقان! أولهما يُعيد إلى الاذهان و لاسيما أذهان الأجيال اللاحقة التي كادت أن تتقطع صلتها بتضحيات الرواد الأوائل و نتاجهم الأدبي أو الفكري أو الثقافي، تجربة كاتبٍ و مثقف علماني واجه حصاراً خانقاً و لم يهن أو لم يتراجع و ما بدل تبديلاً.
أما المدلول الثاني فذو طابع وطني و قومي لارتباطه بسيرة مجتمع بأسره. أو قل نحن أما سيرتين متداخلتين و قد بذلت بلقيس شرارة جهداً توثيقياً لا يخفى على القارئ الممحص ذي الحاسة النقدية أو الشغوفِ بمتابعة حركة التاريخ ذات الخطوط الحلزونية التي لا بد أن تبقى راسخة في ذاكرة المؤرخ و القارئ على السواء، لأن مثل هذه الخطوط قلما يخلو من آثار الدم!rnو قد أبدت بلقيس شرارة في مقدمة كتابها بعضاً من الصعوبة في التزام الموضوعية التزاماً مطلقاً على الرغم من حرصها الشديد على تقصي الحقيقة، و ذلك بشدة تشابك الأحداث و ترابطها إلى حد يستحيل معه سلّ الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فكيف إذا كانت خيوط تلك المرحلة من تاريخ العراق الحديث تُسلّ لا من صوف و لا منن حرير بل من أوردة أبناء العراق و آلامهم.و سل عن ذلك المسألة التي كانت تحاك بها هذه الخيوط فعندها خبر جهينة اليقين! و خوف بلقيس شرارة في محله فهي أولاً إنسانه من لحم و دم و قد كانت شاهد عيان على ما جرى من فظائع و أهوال و تبدُّلِ مواقع و انهيار تحالفاتٍ و انعقادِ أخرى في مثل لمح البصر. و هي ثانياً إنما ذاقت بعضاً من معاناة والدها الذي كان منزله عرضة للمداهمة و التخريب و إلقاء الرعب في قلوب الأبناء.ثم إنها شاءت أن تهزّ وكر الدبابير، أو تحريك جمرٍ سياسي و تاريخي يغفو نصف إغفاءة بأصابع الحبر لا بملقط الحديد.و هل تحريك جبل بركاني يُسمىّ العراق أمراً سهلاً كمثل إطفاء عقب سيجارة على سبيل المثال؟و هل العراق برأيكم، يسمح لأجفان التاريخ أن تنام؟ و هل أغمض هو عينيه يوماً ليستريح قليلاً و يريح أبناءه من كوابيس التمرد و الدم و الخوف و القلق؟فكأنما مسعاه بعيد بعيد و خلاصة ليس في الحصول على تلك الجزرة المعلقة في رأس العصا، بل في معاندة الأقدار و السباق العبثي خائفاً أن تسقط العصا في يده، لأن في سقوطها تفقد الجزرة بعدها الاسطوري و تغدو الحياة لقمة سائغة سهلة الابتلاع و في متناول أصغر الكائنات و أضعفهم و ذلك ما يُفسد على العراق، طَعْم السعي إلى عشبة جلجامش!عفواً إذا كانت هذه المقدمة طُعْماً للتشاؤم الذي قضى محمد شرارة حياته لاستبداله بطُعٌمِ النضال و المواجهة و الصبر الأيوبيّ الطويل.فكيف إذاً خرج من معطف الدين قاطعاً ذلك البرزخ الهائل بين صراط اليمين و صراط اليسار؟كيف دخل محمد شرارة برجله اليمنى طالباً دينياً أقصى طموحه الشخصي و طموح والده الشيخ علي شرارة هو التزوّد لعالم البقاء، بالمفهوم الديني، لا لعالم الفناء، ليخرج منها برجله اليسرى إلى رحاب عقيدة دنيوية لم تكن في الحسبان مطلقاً. فيا للطاقة الكبرى!ما سرّ هذا التحول! هل لنقص في المناعة الدينية، و أين ذهبت عقاقير الطقوس كلها و حقنُ التراث التقليدي و جذورُ العادات المتأصلة التي تفوق جذور السنديان صلابة و تغلغلاً هذه في أعماق الأرض و تلك في أعماق النفوس.ترى بلقيس شرارة على الخروج من قمقم التقليد هو اصطدامه المبكر باساليب التعليم الجامدة المتبعة في جامعات النجف و مدارسها، و تضيف إلى ذلك عاملاً آخر هو تنوع مصادر ثقافته التي أتيحت له من خلال بعض الصحف و المجلات العربية، التي كانت تصدر في مصر و لبنان و سورية و العراق آنذاك. بالاضافة إلى مصادر أوربية و غربية، خصوصاً ما كان يتعلق بالنقد و الشعر الحديث.و قد عُرف عن محمد شرارة إبان فترة الدراسة في النجف حدةُ النشاط و توقد الذهن و طيب المعشر و ذلاقة اللسان و سعة الاطلاع.و كان له دور بارز في جمع عِقد الشعراء في النجف و تأسيس "الجمعية العاملية- النجفية" التي كان من أعضائها الشيخ محسن شرارة و الشيخ علي الزين و السيد هاشم الأمين و حسين مروة بالإضافة إليه. و قد ضمت أيضاً من شعراء النجف عبد الرزاق محي الدين و صالح الجعفري و محمد صالح بحر العلوم. لذا لم يكن لمثل ظاهرة محمد شرارة أن تبقى حبيسة المحيط الضيق جداً الذي لا يتعدى المساحة الفكرية للتراث الديني الذي هو أشبه بالرحى التي تدور على نفسها و لا طِحنْ لها إلا الاجترار، و الحفظ الببغائي، و استعادة مفاهيم الماضي بقضّها و قضيضها، من دون أن تمرَّ بغرابيل النقد، أو تثق بدور العقل و أثره في التقدم و التطور. و هكذا حال البيئة النجفية التي وجد محمد شرارة نفسه فيها تارة تُعلي السياج التراثي التقليدي من حولها، ليكتمل مفهوم الحجاب الذي بانسداله على وجه المرأة و وجه العقل، معاً، يسيطر الظلام المطلق، و يصبح الحجاب مرادفاً للقبر هذا يواري الميت و ذاك يواري الحيّ.و لو كان لميزان ريختر من شأن في رصد الهزات الداخلية و الفكرية داخل الانسان، لكان أبلغ في التعبير عن قوة الهزة الفكرية الايديولوجية التي ضربت أعماق محمد شرارة، كان سّجل لنا الدرجة التي بلغتها تلك الهزة حينذاك.و كان خَلْعُ العمامة رمزَ الانتقال من ضفة إلى أخرى، و قد شاركه في التخلي عنها توأمه الروحي و الفكري حسين مروة و صدر ا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram