TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > محمد شرارة بين متطلبات الالتزام و حرية الضمير

محمد شرارة بين متطلبات الالتزام و حرية الضمير

نشر في: 19 مارس, 2010: 04:25 م

رفعة الجادرجيسافر محمد شرارة من لبنان إلى النجف، تلبية  لرغبة والده دراسة المعرفة الدينية، بالتحديد الدين الإسلامي/ الإبراهيمي، و ليحصل على شهادة الاجتهاد، فيتمكن من أن يرتقي بمرور الزمن إلى مقام قاضٍ بين القضاة. درس نصوص هذا الدين لمدة ستة عشر عاماً، أتقن خلالها المعرفة التي كانت معتمدة من قبل المؤسسة الدينية في النجف، حيث حصل على شهادة الاجتهاد.
  غير انه خلال مرحلة الدراسة اخذ يطلع على الأدب العربي بعامته بما في ذلك أدب الحركة المعرفية العلمانية، التي كانت تتأسس في مصر و لبنان، كما اخذ يطلع على العلوم الغربية. فعّلم نفسه اللغة الانكليزية، و اخذ يطلع على مختلف مجالات المعرفة في التاريخ لمفهوم الإنسانية و التنوير و الفلسفة بعامتها، إضافة إلى ما كان اطلع عليه و هو طالب من المنطق الأرسطي.rnساوره في هذه الفترة  الشك، الذي كان لا بد أن يظهر لدى رجل بطبيعته السيكولوجية، و مزاجه الوجداني و تفكيره الحر، حيث وجد هناك تناقضاً متأصلاً بين النصوص الدينية و ما تحمله من معرفة، و مفهوم العلم الذي اخذ يطلع عليه. و وجد أن المعرفة التي يحملها الدين، و التي يعتمدها، تفترض الالتزام برؤية كان فاتها الزمن بعدة قرون قبل أن تظهر. و ذلك بسبب التطور المعرفي الذي حققته الحضارات الكبرى في العلوم و الفلسفة، و منها علوم و فلسفة الحضارة الإغريقية التي اخذ يطلع عليها. فالدين الإسلامي، كغيره من الأديان الإبراهيمية، يفترض أن العقيدة منزّلة، و لذا يفترض مسبقا الالتزام بنصوص العقيدة، و بما تتضمن من خرافات و معجزات، بقدر ما يفترض الالتزام بطقوس لا عقلانية كانت قد فرضت على المؤمن من قبل أربعة عشر قرناً. بينما العلم الذي أخذ يطلع عليه يفترض ان المعرفة هي من ابتكار فكر الإنسان، و هي في حالة تطور و إضافة و إلغاء و دحض و ابتكار الجديد منها، في سيرورة لا تنتهي. فالمعرفة، لا تنبني إلا على الشك و المساءلة. و هذا ما يتعارض جوهريا مع الالتزام و العقيدة، سواء منه الديني أم السياسي. لقد ظهر الإنسان، و المصطلح  عليه بالعاقل homo sapiens، قبل مائتي ألف عام، فتطور و ظهر للوجود بفكر يتمتع بثلاثة قدرات: المنطق، و الأنلوغ analogue، و الابتكار، مما جعله يختلف عن جميع الحيوانات الأخرى في انه بامتلاكه لقدرات الابتكار. و الابتكار لا يحصل إلا أن يُسبق بالمساءلة و الشك، فيسخّر قدراته الأنلوغية و المنطقية و يبتكر رؤى جديدة في مختلف مجالات الوجود، حسب قدرات مراحل تطور الفكر و التراكم المعرفي التي يبتكرها من جيل لآخر، و من حضارة لأخرى. مما يعني أن نكران الابتكار، و المساءلة و الشك هو نكران إنسانية الإنسان.و مع كل مرحلة جديدة، تظهر معرفة جديدة، تبتكرها قلة من بين أفراد الجماعة/ المجتمع، فيحصل تناقض بين الرؤية الجديدة و تلك القائمة التي يسخّرها المجتمع في تنظيم معيشه اليومي، مما يجعل الرؤية الجديدة تتناقض مع التنظيم القائم، سواء التنظيم الذي يقود تفعيل الدورة الإنتاجية أم تنظيمها، و إدارة العلاقات الاجتماعية الخاصة و العامة. لذا يظهر في المجتمع من يقاوم الرؤية الجديدة، و خاصة منهم الذين يكونون منتفعين من تلك العلاقات و المعرفة القائمة، أو من هؤلاء الذين يحملون فكراً كسولاً لا يرغب في استنفاد جهد و تقبل الجديد و استيعاب متطلباته. و هذا ما وجده محمد شرارة في المؤسسة الدينية بعد أن قضى ستة عشر عاما.وجد في الدراسات الجديدة التي أطلع عليها، أن المجتمع يتعرض إلى مخاض فكري و اجتماعي، بسبب المستجدات، لحين تتمكن الأكثرية من استيعاب متطلبات التعامل مع الجديد، و العيش المريح معها، أو تقبلها بالقدر المناسب، و لحين تتعرض هذه الرؤية الجديدة إلى تعديلات مناسبة لكي تنضج. و ما أن تنضج و تستقر يتقدم فرد أو أقلية، و يقدموا على مرحلة جديدة من الشك و المساءلة فيبتكروا رؤية جديدة أخرى. و هكذا فإن مجتمع الإنسان هو دائما في مخاض التغيير من تقبل و رفض الدورات المتعاقبة. و ما أن يستقر لحقبة ما، حتى  يبتدئ في دورة جديدة من الشك و الابتكار. و لقد اطلع محمد شرارة على هذه الرؤية في الأدب الماركسي. فأصبح بالنسبة له، الدين و العلم مقولتين متناقضتين جذريا، غير قابلتين للتسوية. و اعتبر أن ما حصل عليه من معرفة أثناء الدراسة، بقدر ما كانت معرفية يقينية، خدعة لا أكثر، لم يكتشفها بوضوح إلا بعد أن أكمل الدراسة و حصل على شهادة الاجتهاد و نضج فكره. فأقدم على خلع العمامة،  و أصبح  الشك و المساءلة بالنسبة إليه هما نهج التقدم المعرفي. لقد نزع العمامة، ليس لأنه انتقل إلى خانة المعرفة العلمية فحسب، بل لأنه كان مصمماً منذ البدء أن يسخّر المعرفة في خدمة المجتمع. لقد حمل هذه الرؤية الإنسانية منذ الطفولة، و قد توافق هذا المنحى الأول من صباه، مع الرؤية الدينية التي اخذ يدرسها في النجف. و حينما كان المفهوم العام لهذه الخدمة، هو قيادة المجتمع إلى الخلاص، كما في الرؤية الدينية  بعموميتها و التي اطلع عليها في البيئة البيتية و التي تربى عليها منذ طفولته، أصبحت الآن بالنسبة إليه، خدمة المجتمع عن طريق المعرفة العلمية، بدلا من خلاص الإنسان، المؤجل إلى يوم الحساب. فاخذ ينضج هذه المعرفة عن طريق المطالعة في الدراسات الفلسفية التي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram