حسام مصطفى واحدة من اهم افرازات التدريبات الديمقراطية العراقية في الانتخابات التي توالت كالزهور فوق رؤوسنا ، هي اننا نجد امامنا سياسيين لديهم كامل الجرأة الادبية والسياسية للاعتراف بالاخطاء والهزائم معا ، وهي خصلة من الصعوبة العثور عليها او خلقها في مجتمعاتنا العربية التي تأخذها العزة بالاثم والخوف ،
والتي مثلا لاتريد ان تعترف بهزيمة حزيران عام 1967 فتسميها مرّة النكسة وأخرى حرب الايام الستة واذا انحشرت في التعبير تقول عنها انها معركة وليست حربا وتلطفها في احايين كثيرة فتسميها العدوان الاسرائيلي ، رافضة بذلك ، على المستويين الرسمي والشعبي ، الوقوف بجرأة وانتقاد المرحلة وتسمية الاشياء باسمائها فتطلق عليها "الهزيمة المذلة "، بديلا عن ترحيل اساباب الانتكاسة الى طيبة الذكر الفنانة الراحلة ام كلثوم في سهراتها الشهرية التي كان الكثير من الناس يتابعونها عن كثب عبر اجهزة الذياع.بعد الظهور التدريجي لنتائج انتخابات السابع من آذار ، راحت بعض القوى السياسية تبرر خسارتها في الانتخابات ، ملقية اللوم مرّة على المفوضية وأخرى على التلاعبات وثالثة على قانون الانتخابات ،فيما أقرّت قوى اخرى بهزيمتها وسمّتها كما هي " هزيمة" وهي بهذا الاعلان تقدم اكبر خدمة نقدية لنفسها تساعدها في المستقبل على تجاوز اخطائها ولملمة نفسها والبحث عن وسائل جديدة تساعدها على تقوية وجودها داخل قبة مجلس النواب وتصاعد تأثيرها في آلية اتخاذ القرار السياسي . لكي نكون منصفين ، فان بعض التبريرات صحيحة ، ومنها قانون الانتخابات الذي حرم كتلا صغيرة من اصوات من المفترض ان تذهب اليها ، لكنها بسبب القانون ذهبت الى صناديق الحيتان السياسية ، ومنها بعض الخروقات التي حصلت في اكثر من مكان وادت الى تغيير التسلسل والاولويات للقوائم المشاركة ،لكن الاكثر انصافا لهذه القوى هو انها عرفت الطريق السليم لتصحيح اوضاعها ، وهو طريق الجرأة في النقد العلني لتجربتها السياسية ، سواء كانت عريقة في ميادين العمل السياسي أو انها ولدت بعد سقوط الدكتاتورية وتخوض تجربة ديمقراطية معقدة وشائكة وقاسية في فترة زمنية قياسية.ان تعميم تقاليد الاعتراف بواقع الحال، يؤسس لنمط سلوك سياسي متحضر وديمقراطي يساهم في فتح ابواب التفاهمات بين القوى السياسية ، ويهيء قاعدة صحيحة لمنح الفرص الحقيقية لمن ظلمتهم قوانين أو اجحفت بحقهم بنودا دستورية. ان الانطلاق من نظرية قبول النتائج الانتخابية والتعامل معها باعتبارها نتيجة طبيعية مقبولة وممكنة ، سيجنبنا الكثير من المشاكل القائمة على اساس عدم الثقة والتشكيك في عمل ضخم من طراز الانتخابات العراقية .ويفتح لمستقبل العمل السياسي القادم آفاقا رحبة مبنية على اساس الاعتراف بالآخر ، باختلاف وجهات النظر بشأنه، لان طريق صناديق الاقتراع الذي اخترناه هو الفيصل فيما هو كائن وليس فيما سيكون. والامر برمته قناعة حقيقية بأن الكلمة التي لانتجادل بشأنها، هي كلمة الناس، وان اختلفنا عليها ولم تعجبنا نتائجها.
نقطة ضوء :الجرأة السياسية
نشر في: 19 مارس, 2010: 06:17 م