TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > بمناسبة الاحتفاء به في مهرجان المربد..المـتن الـشعري لـياسين طه حافظ

بمناسبة الاحتفاء به في مهرجان المربد..المـتن الـشعري لـياسين طه حافظ

نشر في: 23 مارس, 2010: 05:40 م

عباس الغالبييشكل جيل الستينيات في القرن الماضي أكثر الموجات الشعرية إثارة, وعمقاً في الشعر العراقي الحديث ولم يكن بزوغ هذا الجيل طارئاً, أونزوعاً فهرسياً محضاً للنصوص الشعرية أنسياقاً وراء سطوة زمنية « أعمار الشعراء وسنوات نتاجهم» أو سطوة تاريخية وسياسية, تربط المنجز النصي بحدود النقلات أو العثرات المهمة في تاريخ البلد,
وإنما كان هذا البزوغ للجيل الستيني بمثابة حاجة فكرية وإبداعية كبرى كان المجتمع العراقي يضج بها على المستويات كافة.ويرى البعض أن تجييل الأصوات الشعرية «أمر تكتيكي لا بد منه لإنجاز أية قراءة أو بحث, ولعل هذا التصنيف الجيلي واحد من أفعال النقد الخفية التي لا يراها المبدعون أو ينكرها المتشككون بجدوى النقد وفاعليته».لذا فإن الضرورة تقودنا إلى أن ننأى عن المفهوم الزمني عند التعرض لهذا الجيل ودراسته, ذلك أن جيل الستينيات ليس انتماء للتاريخ, أو الزمن في تعاقبه سنوات وأجيالاً, بل هو إنتماء للرؤية التي تفيض من النتاج الإبداعي لشعراء هذا الجيل.حيث أن شعراء الستينيات لم يكونوا مشغولين بهواجس أو هموم شكلية عابرة, بل كانوا يجسدون رؤية جديدة للشعر والحياة, للعصر والتراث, ولقد انبثق هذا الجيل الشعري وسط ركام محزن من الخيبات السياسية والانكسارات العامة، وإذ تمثلت خيبة الشاعر الستيني في تداعيات هزيمة حزيران عام 1967فضلاً عن الاهتزازات الكبرى في العالم فكرياً وسياسياً, فكان ظهور جيل الستينيات زلزالاً واضحاً وسط تحولات عميقة في الوعي, وبناء الروح, وهاجس التمرد على أغلال ظلت موضع تقديس قروناً طويلة.لقد كان ابناً حميماً للتحولات العالمية التي تجلت في الثورة الطلابية في فرنسا عام 1968, وتمردات اليسار العالمي فضلاً عن الوجودية التي وصلتنا عبر كتابات سارتر وسيمون دي بوفورا ومن الواضح تماماً أن جيل الستينيات كان يمثل ردة فعل جمالية وفكرية على الأجيال الشعرية السابقة, لا سيما جيل الرواد الذي أحدث تغييراً في مضامين القصيدة ودلالاتها الإجتماعية أو السياسية فضلا عن ثراء الشكل الشعري.لذلك كان شعر الستينيات, في نماذجه المتقدمة, تمرداً على سيادة الموضوع, وهيمنة الدلالة,و كان إلى حد واضح, شعراً متقداً بالخيبة جراء الهزات والانكسارات التي تعرض لها الجو العام.ولم يكن التجريب الذي اعتمده شعراء الجيل, الستيني  شكلياً مجرداً, بل كان التجريب أكثر عمقاً وشمولاً باحثاً على طول الخط عن أفق أغنى في الشعر والفكر والعلاقات الإنسانية, فهو تجريب يغور في أعماق الروح لا على القشرة الخارجية حيث كان الشاعر الستيني - وكما أفصحت نصوصه- يتعامل مع القصيدة بأنها ليست حديثاًً عن موضوع ما أو فكرة ما, بقدر ما هي رؤية يمتزج فيها النص والموقف, وتتماهى فيها اللغة بالدلالة والشكل بالمضمون ، وأن الدافع لكتابة القصيدة لدى الشاعر الستيني, ما عاد كما كان في معظم شعر الخمسينيات«الإصلاح أو الوعظ, أو التغني بلغة مباشرة»,بل كان الدافع الأعمق للكتابة الشعريةهو«إنطلاق الروح الشاعرة للتماس مع الحقيقة التي تعذب كياننا».ولقد انطلق الشاعر الستيني من هوس داخلي, وإحتفاء بالفرد وانكساراته الروحية والسياسية, لأن هذا الفرد هو الحقيقة الثابتة التي لا يكتب الشعر إلا بوحي منها.ولم يكن جيل الستينيات على الرغم من كثير  الخصائص المشتركة, جيلاً دون تمايزات, فلكل منهم طريقته في التوجه الفني والموضوعي والفكري, حيث يرى الشاعر ياسين طه حافظ أن الشعر الستيني «هو نتاج مرحلة عبور الخنادق لأرض وسماء جديدتين, فتية متمردون أو متحمسون أو دعاة وجدوا عقب خراب, تماماً مثل أولئك الشعراء الأنجليز عقب الحرب العالمية الأولى كان عليهم أن يؤسسوا جديداً, بعضهم قدّم مفهومات جديدة, وبعضهم  قدم قصائد خارج الأنماط الموروثة, والبعض أحب الشعر كله, والبعض أحبوا أنفسهم» .ويرى البعض أن الشاعر ياسين طه حافظ ينتمي إلى موجة بعينها من النهر الستيني تتعامل مع القصيدة بأنها تستمد نشاطها من استيعاب للتراث القريب والبعيد وتمثل له لا من هاجس التضاد والتنافر, وأن رؤيتهم الشعرية تستمد لهبها الفاتن من العصر والماضي وقوته  معاً, رؤية ترتبط بالحياة ارتباطاً ممضاً وترتفع بها إلى مستوى الحلم وتوهج البصيرة, إذ تصبح القصيدة لدى هذه الموجة تجسيداً لعذاب النفس وضغط الحياة في شكل شعري تتحول فيه الأشياء والأفكار والموضوعات إلى طينة تشع بالدفء والتجانس .ويمكن لي أن أؤكد أن هذا الرأي أقرب إلى واقع الحال ذلك أن المتن الشعري للشاعر ياسين طه حافظ لا يندرج في سياق المتن الشعري لبعض شعراء الستينيات أمثال «سامي مهدي وحميد سعيد وحسب الشيخ جعفر وفوزي كريم وخالد علي مصطفى وعبد الأمير معلة», حيث بدا لي من خلال اطلاعي على نتاجه الشعري ونتاج مجايليه على حد سواء أن الشاعر ياسين طه حافظ  ينحت في إتجاه مغاير دالٍ عليه, وإذا كان من طبيعة الحركات الإبداعية أن تبدأ عادة بتجمعات تنحو إلى التوكيد على المشترك بين أعضائها أكثر من توكيدها على الخصوصية والتفرد, لتنتهي أفراداً يبحث كل منهم عمّا يميزه عن الآخرين فإن الوضع مع ياسين طه حافظ كان مختلفاُ

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram