TOP

جريدة المدى > تحقيقات > في ظل غياب الدعم الحكومي..معامل تحولت الى ذكريات وتراث

في ظل غياب الدعم الحكومي..معامل تحولت الى ذكريات وتراث

نشر في: 23 مارس, 2010: 05:41 م

تحقيق وتصوير \ وائل نعمة – ايناس طارقفي احد الازقة القديمة الضيقة في بغداد كان ابو شكر منهمكا في عمله وقد أحنت قامته الطويله  واندلقت (جراويته) وخدرت ساقاه من فرط الجلوس لساعات طويلة  امام  الدولاب الحديدي الذي حينما يدور يصدر صريرا حادا عند أحتكاكه  مع السكاكين والادوات الحديدية. هذا (الجراخ) الذي ناهز السبعين من عمره وقد خف نظره لدرجة لايستطيع التمييز بين السكين و (المستحد)،
كان مثار جدل واستغراب من اولاده وجيرانه الذين دائما ماكانوا ينصحونه بالكف عن عمله ويريح عينيه وجسمه الثقيل في البيت، الا ان حب العمل والاختلاط معه لم يترك الفرصة لابو شكر ان يتخلص من هذا الالتصاق. هذا ماأدركه مؤخرا زامل علي  صاحب شركة الرافدين الذي وجد نفسه يشبه هذا (الجراخ) لكن دون (جراوية)، فبعد سنوات العمل الطويل أصبح غير قادر على أن يبيع او يؤجر او حتى يهجر معمله السقيم الذي اصبح دون فائدة في محيط يعج بمنتوجات من كل حدب وصوب باستثناء معمله ومعامل  جميلة الصناعية.مكائن خارج الخدمة استذكر صاحب شركة الرافدين بعض الرجال الحرفيين الذين كانوا متمسكين بعملهم رغم تغير الظروف وعدم جدوى العمل في حياة اصبحت اكثر عصرية وبدخول المكننة في كل مجالات الصناعة حتى اضحت الاعمال الحرفية تراثا نتذكره باحترام، ألا أنهم لم يتركوا هذا العمل لاسباب نفسية واسباب اخرى تتعلق بعدم قدرة هؤلاء الأشخاص على العمل في مجال آخر لا يعرفون عنه شيئاً. زامل علي تقع شركته في منطقة جميلة (الصناعية او الاستيرادية)!و كانت  تضم الشركة  مصانع لتصنيع الحلويات المختلفة والجبس. وقد رفدت هذه المعامل  بمكائن وآلات حديثة في سبعينيات القرن الماضي والتي كانت احدثها في ذلك الوقت ومن مناشئ نمساوية وايطالية ودنماركية. صاحب المعمل حينما كان يتحدث عن المكائن كان يشير الى سطح معمله المهجور، لم ندرك حينها الى ماذا يشير لكن بعد ان امعنا النظر وجدنا المكائن اخذت مكانها الجديد فوق السطح بدلا من ان تكون داخل المعمل تدور وتنتج وتدر الفائدة والمال على اصحابها. ويضيف قائلا « هذه المكائن التي تصنع البسكويت الويفر والكاكاو ومكائن التغليف  الان تساوي ربما المليون دولار لكن لو اعطاني احد 20 الف دولار ربما لبعتهم! « ولكنه يستدرك قائلا «ربما لااستطيع ان افعل ذلك خصوصا وقد عرض عليه تأجير المعمل لكني رفضت وذلك يعود لالتصاقي الشديد بمهنتي وعدم معرفتي لمهنة اخرى وبسبب أملي برجوع دوران عجلة الصناعة من جديد». لم يكن صاحب هذه المكائن يتمنى الخسارة، لكن الامر اصبح امرا واقعا لان المعمل توقف لدرجة الشلل الكامل والسبب هو عدم قدرة المنتوج الوطني منافسة المستورد.  صاحب هذا المعمل  كان لديه اكثر من 60 عاملا، تناقص هذا العدد حتى اصبح عاملا واحدا! والانتاج انخفض من الاف الصناديق الى عشرات ولاينتج غيرها الا في حالة نفاد المنتوج القديم.يرى صورة الصناعة في العراق  تكتنفها الضبابية ورغم الاجتماعات المتكررة مع المسؤولين عن قيادة الدفة الصناعية في العراق الا انه يؤكد أن لاحلول بدت واضحة امامنا. فيسوق لنا مثالاً حول شركة التمور الوطنية وهو مساهم فيها الا انه لم يستلم لمدة اكثر من ست سنوات اي ارباح مع العلم كانت هذه الشركة تعطي ارباح 150 % للمساهمين فيها، والان هو غير مدرك اين تذهب الارباح ولمن! والحال ينطبق على معمل شركةالمشروبات الغازية.rnأشراقات الصناعة العراقيةمنذ بدايات تأسيس الحكم الملكي في العراق  اتجهت الادارة الاقتصادية الى تشجيع الصناعة الوطنية بإصدار التشريعات التي مازال قسم منها حيا او يحمل روحها في القوانين الجديدة، وملخص الخط العام توفير الحماية للصناعات الوطنية شريطة ان تكون الصناعة الوطنية وبما تطرحه من منتوجات ينافس بنوعيته المنتج الاجنبي، فنشأت صناعات حازت، بما وفرته من انتاج مناسب للسوق العراقية، على رضا المستهلك العراقي،ووفرت هذه التشريعات الحماية الصارمة للمنتوج الوطني وكمثال على ذلك الصناعات النسيجية، كما في عملاق هذه الصناعة (معامل نسيج فتاح باشا) ففي البدء كان يدعى معمل نسيج (العبخانه) وهي أول مؤسسة بسيطة للصناعة أقامها المصلح العثماني مدحت باشا 1868-1871 في بغداد. وقبل أن يستعمل العراقيون لفظ (بطانية) الذي ساد بعد ثورة 1958الوطنية، كان البغداديون والبصراويون وربما الموصليون أيضا يسمون البطانية (بلانكيت) وهي من المستوردات. وكان معمل فتاح باشا قد أتحف العراقيين بأعداد لا تحصى من (البلانكيتات) من نوع فتاح باشا ذات الجودة العالية، حتى كان العراق يصدر الفائض منها إلى الدول المجاورة في ذلك الزمن.  ذهب فتاح باشا إلى ألمانيا عام 1926 وجلب لأول مرة معدات ومكائن نسيج، وأقام معمله وسط بستان، و افتتحه الملك فيصل الأول بنفسه. فتعرف البغداديون إلى صناعة النسيج من فتاح باشا حتى أصبح رمزا للصناعة الوطنية. ولم يتوقف فتاح باشا عن تقديم خدماته لوطنه كصناعي إذ أسس (شركة المنصور) التي قامت بإنشاء مدينة المنصور الحالية. وكانت تسير الخطط الاقتصادية في تشجيع القطاع الخاص الا انها شجعت فتح فروع للصناعات العالمية كما حدث مع صناعات مشروبات المياه الغازية وذلك بعقد القطاع الخاص صفقا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟
تحقيقات

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟

 المدى/تبارك المجيد كانت الساعة تقترب من السابعة مساءً، والظلام قد بدأ يغطي المكان، تجمعنا نحن المتظاهرين عند الجامع المقابل لمدينة الجملة العصبية، وكانت الأجواء مشحونة بالتوتر، فجأة، بدأت أصوات الرصاص تعلو في الأفق،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram