تحسين المنذريرحلت آخر الكبار ....رحلت سيدة النضال النسوي العراقي ....رحلت الشاعرة والمسرحية .....رحلت المناضلة الكبيرة زكية خليفة الزيدي
تمتد علاقتي بالرفيقة المناضلة زكية خليفة منذ بدايات سبعينيات القرن المنصرم ، يوم كنا لما نزل في بداية عمر الشباب ، وفي بواكير الوعي السياسي ، يوم كنا نحتاج لمن يعلمنا شيئا ، لمن يقدم لنا النصح ، لمن يشد أزرنا ، لمن يدلنا على الطريق ، ولم يكن بيننا اجمل من نموذج المناضلة زكية خليفة ، لم تبخل على احدٍ منا بالحديث ، ولم تعفِ نفسها من الجواب على أي سؤال ، ولم تفارق الابتسامة وجهها ، يومها كنا نتطلع الى قامتها الباسقة باعجاب ما بعده إعجاب ، إلا إنها كانت تأبى على نفسها إلا أن تتحدث عن بطولات الاخرين ، لم تتحدث عن نفسها الا بالنزر اليسير ، تسوق لنا الامثلة والتجارب والحكايات عن رفاق ورفيقات عاصرتهم وعملت معهم خاصة من رحل منهم ، وحينما تختم حديثها ولكي لا نبتئس لفقدان احد تقول ( عمة الكاع ولودة وهسه تشوفون ) . وأخذتنا الاحداث والسنون وكانت اللقاءات قليلة لكنها غنية دائما ، الى أن حدثت الماساة بملاحقة نظام البعث الفاشي لنا ، وصار كل منا في ديرة كما يقولون ، هي أُعتقلت ولاقت من التعذيب ما لا يتحمله رجال غيرها ، لكنها كما هي شامخة باسقة لم تهزها عواصف البعث وتعذيبه وقسوة الحياة التي عانت ، حتى التقينا ثانية وكانت لقاءات تشبه العمل السري نزورها أو تزورنا ليلا ، نلتقي في بيوتنا المتقاربة ، لاتمل من الحديث عن الوضع السياسي وعن أزمة النظام أيام الحرب مع إيران وأيام غزو الكويت وما بعدها وكل ما يدور حولنا ، لكن لابد للحزب من حصة في هذا الحديث ، لم تفقد الامل ولم تنس َ يوما إن لها حزبا سيعود وسيملأ الارض ورودا ، تلتقط اخبار الحزب من أي مصدر وتحلل المواقف وتستبشر خيرا من كل شاردة وواردة عن وضع الحزب ، كان ظلها ملاذا لنا من هجير ملاحقات أزلام البعث وقردة الامن العام ، تشد من أزرنا وتحكي لنا الحكايات عن ظروف أمرّ وأصعب ، وتعطينا دفعات من التفاؤل ودائما ما تردد ( عمة الصبر حلو ، لا تأيسون ) . هذه هي المناضلة الكبيرة التي عرفت إنها العمة زكية ، رفيقة درب الكثير من مناضلي الحزب الشيوعي ، عملت وناضلت مع كل قيادات الحزب تقريبا على تاريخه الطويل . لم أرَ في كل حياتي إنسانا يحب العراق قدر حبها له ، رغم كل ما قاست وعانت وما مر عليها من ويلات في العراق ومن اجل العراق إلا إنها تتحدث عن الوطن وكأنه طفلها الوحيد المدلل ، أو الحبيب الاوحد الابدي ، وهو كان كذلك بالنسبة لها .بك ايتها الراحلة الكبيرة المناضلة الرائعة العمة زكية كنا نستجير اذا إشتد الزمن بنا ..... بمَن مِن بعدك نلوذ ؟
عمة زكية:بمن نلوذ
نشر في: 24 مارس, 2010: 06:10 م