حسن شعبانالدستور العراقي وعلى وجه التحديد في الباب الثاني منه جاءت المادة (36) لتثبت اهم الحقوق الانسانية تلك التي تتعلق بحرية التعبير بكافة الوسائل وحرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر وبما لا يخل بالنظام العام والاداب.
وطالما ان الحديث في حرية الاعلام والصحافة والذي يشمل الاجهزة المرئية والمقروءة والمسموعة فهذا يعني بالضرورة انها ليست منحة من احد حاكماً او غيره وانما اكتسبت بالولادة وتنتهي بالوفاة وهذا ما اقرته وعملت به المعايير الدولية والقانون الدولي الانساني وعلى هذا الاساس فان اي تقنين او تشريع وطني في اي بلد من العالم ينبغي ان يلتزم بهذه الحقيقة الثابتة وان لا تكون هناك نصوصاً او اوامر تقع خارجها .في المادة (45) من الدستور العراقي الجديد نحت هذا المنحى واخذت بالاتجاه العالمي لحرية الرأي والتعبير حينما نصت على ان (لا يكون تقييد ممارسة اي حق من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون او بناء عليه على ان لا يمس ذلك التحديد جوهر الحق او الحرية) كي يضمن عدم عودة القمع والديكتاتورية من جديد والرقابة الحكومية ذلك لا يمكن ان توجد ديمقراطية حقيقية بدون هذا الحق والعكس هو الاستبداد والسيطرة. لهذا يجب ان يهدف اي تشريع او تدخل تنفيذي هو حماية هدف شرعي وقانوني وان لا يتعارض مع المعايير الدولية وان يكون متوازناً وليس فيه مجالاً للاجتهادات والتأويل وغير حمّال للاوجه. هذه المقدمة ضرورية تكون مدخلاً لمناقشة قصة التراخيص التي فرضتها هيئة الاعلام على القنوات الفضائية وفرضت فيها شروطها للسماح لها للبث وبشكل موضوعي وقانوني بعيداً عن التصادم والتقاطع. الدستور العراقي وكما اشرنا اشترط حدوداً واسعة لهذه الحرية وان لا تمس جوهرها وان تكون ذلك بقانون ولم يتوصل مجلس النواب السابق الى قانون ينظم قضايا الاجهزة الاعلامية المختلفة ولا ادري كيف مارست هيئة الاعلام او شبكة الاعلام هذه المسؤولية دون ان تستند الى اطار قانوني لعملها ومن يحدد عملها وقد تخالف الدستور في توجهه واذا كان الاساس هو اوامر الحاكم المدني (برايمر) فأنه قد رحل ولابد من توصيف قانوني كما تطلبه الدستور والعودة الى قرارات وقوانين النظام السابق فانه امر يبدو اقرب للمستحيل لأن ما حدث في طفرة نوعية وكمية في مجال العمل الاعلامي لا يمكن وضعه في الاطار القانوني لنظام الفرد الواحد والحزب الواحد. لو ان الامر فيها متعلق باجراءات تنظيمية وشكلية ومالية لا تتعدى وضع ضوابط عامة وليس كما اعلن من تراخيص التي تعني بالضرورة الاجازات وهي تعني قبولاً او رفضاً لاجراءات كثيرة قد تصل الى مرحلة الحرية الكاملة لهذه الحقوق وهنا يتطلب نصوص قانونية واضحة ومحددة فأن ذلك يكون امراً ممكناً ولحين وجود قانون وطني مكتمل التشريع. ان ما نخشاه ونحن بصدد دولة القانون والمؤسسات المهنية البعيدة عن المحاصصة والتأثيرات الحزبية ان يكون هذا الاجراء خارج هذا الاتجاه وان يكون قانونياً تكون فيه التراخيص والمنع والخطوط الحمراء خاضعة لقرارات القضاء العادل الذي وحده الذي يمكن ان يحسم العلاقة بين من يملك الاجراءات ومن يتعرض لقمعها وليس ان يكون قاضياً وجلاداً في نفس الوقت.
هيئة الإعلام وتراخيص القنوات الفضائية بين "التنظيم" الاحتواء
نشر في: 27 مارس, 2010: 04:31 م