TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > من ا وراق الراحل الدكتور علي الوردي ..الافندية فـي ماضيهم وحاضرهم

من ا وراق الراحل الدكتور علي الوردي ..الافندية فـي ماضيهم وحاضرهم

نشر في: 28 مارس, 2010: 04:26 م

بداية الانفتاح الطبقي "الافندي" لفظة تركية يقال ان اصلها يوناني ومعناها "السيد" وهي اذن تقابل "المستر" في اللغة الانكليزية و"المسيو" في اللغة الفرنسية ، ولكنها كانت تأتي بعد ذكر الاسم حيث كان يخاطب الرجل المحترم عادة بأن يقال له "فلان افندي".
كان "الافندية" في العهد العثماني يشكلون طبقة تتميز عن سائر  الناس بصفات خاصة بها لا يشاركها  فيها غيرها الا قليلا ، وكان افراد هذه الطبقة يتعالون على الناس فلا يخالطونهم الا بنطاق محدود، ولهم نواديهم الخاصة بهم واسلوبهم في الحياة. ان الطبقة كما ورد تعريفها في علم الاجتماع هي "تلك الفئة التي تتعامل  فيما بينها على اساس المساواة وتشعر بالتعالي تجاه من هو دونها، او بالضعة تجاه من هو اعلى منه"، وهذا التعريف ينطبق على فئة الافندية في العهد العثماني..فقد كانوا يستنكرون ان يروا احداً منهم يجالس عامة الناس في مقاهيهم، او يتواضع لهم، وقد ادركت في صباي بقية من ذلك العهد فكنت اشاهد الافندي وهو لايكلم الناس الا من وراء انفه، واذا راجعه احد في دائرته خاطبه بلهجة الامر، وربما طرده أو أجل قضيته الى اجل بعيد. التقيت في الاربعينيات برجل من بقايا الافندية القدامى، فرايته يشكو ويتذمر من انحطاط وضع الافندية في زماننا هذا، وذكر كيف كان الافندي في العهد الماضي يحافظ على كرامته ومنزلته الاجتماعية فلا يخالط الرعاع من الناس او يجلس معهم او يتحدث اليهم، ثم اشار باحتقار الى ما يصنعه افندية هذا الزمان حيث اصبحوا في سلوكهم وحديثهم لايختلفون عن غيرهم من الناس. كان الافندية لايخالطون من غير طبقتهم الا بعض الوجهاء وأبناء الاسر المعروفة، وكان هؤلاء يشعرون بالفخار لمخالطتهم الافندية ، ومن هنا جاءت الاغنية الشعبية: رايح للميري حبي                 جايي من الميري حبي  فالمغنية هنا تمدح حبيبها بانه دائب الذهاب الى "الميري" والعودة منه، وهي تقصد بـ "الميري" السراي او دوائر الحكومة التي هي مقر الافندية في عرف ذلك الزمان. مستلزمات "الافندية" كان للافندي في ذلك الزمان شرائط او مستلزمات ثلاثة يجب توافرها فيه لكي يكون افنديا لائقاً او كاملاً، وهي كما يلي: اولاً: ان يكون موظفاً لدى الحكومة او ذا صلة وثيقة بدوائر الحكومة كالمحامي مثلا. ثانيا: ان يكون متخرجا في مدرسة حديثة او في الاقل له اطلاع على بعض المفاهيم والمصطلحات الحديثة، ويتحدث بها. ثالثاً: ان يرتدي الزي الحديث وهو ما يسمى بـ السترة والبنطلون" وذلك بالاضافة الى الطربوش الاحمر يضعه فوق رأسه. تقليد الافندية كان الافندية يفتخرون بما تعلموه في المدرسة من مصطلحات ومفاهيم حديثة مثل "الاكسجين" و"المقروب" و" نهر الامازون" ان معلوماتهم الحديثة كانت ضحلة طبعا لانحطاط مستوى المدارس في ايامهم، ولكنها كانت تعد عظيمة جدا بالمقارنة الى ما لدى العامة حينذاك من امية مستفحلة وجهل. فاذا جلس الافندي في مجلس واخذ يتحدث في تلك المصطلحات الحديثة فتح الحاضرون افواههم اعجبابا وربما حاول بعضهم تقليد الافندي حين يجتمعون بمن اوطأ في المعرفة منهم. ولما كان الافندية يمثلون الطبقة العالية في المجتمع –كما اسلفنا – فلابد ان يحاول البعض من الوجهاء والعامة تقليدهم على وجه من الوجوه، ولم يقتصر تقليد الافندية على المصطلحات الحديثة كالاوكسجين والمقروب، بل تعداها الى تقليدهم في امور اخرى كلبس الطربوش الاحمر او الحذاء الحديث – أي القندرة –او الاكل بالشوكة والسكين. وقد ظهر في بعض الاحيان صراع اجتماعي بين الذين يقلدون الافندية والذين يستنكرون ذلك ويعتبرونه خروجا عن الدين او العرف والتقاليد. اذكر مثلا على ذلك ما حدث في احدى محلات بغداد القديمة في اواخر القرن التاسع عشر فقد كان الحذاء الشائع بين الناس حينذاك  هو "اليمني" وهو حذاء احمر اللون، ولكن الافندية كانوا يستعملون "القندرة" بدلا منه وأخذ بعض العوام يقلدون الافندية في ذلك، خاصة اولئك الذين يراجعون دوائر الحكومة ، وفي ذات يوحم حدثت ضجة في احدى المحلات القديمة كان السبب ان شابا من اهل المحلة خلع "اليمني" وليس "القندرة" بدلا منه، واخذ اهل المحلة يتقولون عليه ويسخرون منه، وذهب اخوه الى عمته يشكو اليها منه ويقول لها ان اخاه سود وجه الاسرة امام الناس وطلب منها ان تنصحه وتردعه، وقد حاولت العمة نصح ابن اخيها دون جدوى اذ هو بقي مصراً على لبس "القندرة" ورفض "اليمني". وحدثت بعد ذلك ضجة اخرى كانت اوسع نطاقا وسببها ان الافندية ومقلديهم كانوا يقولون عن المطر انه من البخار فانبرى العامة يحاربون هذا القول ويعدونه انكاراً لقدرة الله، وكتب احدهم كتابا عنوانه "السيف البتار على الكفار الذين يقولون المطر من البخار". وكذلك حد

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram