TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > انف عبد الكريم قاسم اثار ازمة في السفارة

انف عبد الكريم قاسم اثار ازمة في السفارة

نشر في: 28 مارس, 2010: 04:43 م

كانت العلاقات السياسية بين الدول العربية وبريطانيا في اواخر الاربعينيات طبيعية وخالية من المشكلات، باستثناء قضية فلسطين طبعا، اما بالنسبة للعراق  فقد كان الاستثناء الوحيد هو ما كان يلاقيه الملحق العسكري من صعوبات ومماطلات في الحصول على الاسلحة التي يحتاجها الجيش العراقي في ذلك العهد ، الذي كانت المعاهدة العراقية –البريطانية  لاتبيح فيه للعراق شراءها من مصدر اخر.
واذا اصبحت الدبلوماسية اليوم من اخطر المهن، والديبولماسيون من اكثر الناس تعرضا للاعتداء على اشخاصهم فقد كانت في ذلك الوقت اكثر المهن امنا وحصانة، ولم يكن العالم قد عرف بعد امورا مثل اختطاف الطائرات، والاعتداء عن الديبلوماسيين والصحفيين واتخاذهم رهائن، ولا اعمال العنف والارهاب التي يضج بها اليوم، بل كان الامن مستتبا الى حد بعيد، وابواب السفارات مفتوحة لكل طارق، وكان يدخل السفارة العراقية من يشاء بعد ان يدفع الباب الذي كان مفتوحا طوال ساعات الدوام، فاذا صادفه احد السعاة سأله عن الشخص الذي يريد ان يقابله، وان لم يجد من يستقبله ، مضى الى اية غرفة بما فيها غرفة السفير، ودخلها بلا موعد ولا استئذان. وكان الهاجس الامني الوحيد الذي مر بنا طوال السنوات الثلاث التي قضيتها في لندن هو ما حدث حينما تلقت دائرة الملحق العسكري في احد الايام الحرجة التي سبقت حرب فلسطين، مكالمة تلفونية من شخص مجهول  يخبرها يوجود قنبلة في دهليز السفارة وقد اتصلت الدائرة بالشرطة فورا ، وهرع رجالها وفتشوا البناية فلم يعثروا على شيء، ولم يكن لدينا شك في ان المكالمة جاءت  من بعض الصهاينة  الجبناء بقصد اشاعةالخوف  في نفوس موظفي السفارة وخلق البلبلة فيها، ولكن الحادثة انقضت خلال نصف ساعة ، ولم تتكرر. rnالزوار قليلون وكان الوافدون والزوار العرب الى انكلترا قلة نأنس بقدومهم، ولم يكن هناك ما يشابه هذا الطوفان الذي نشاهده اليوم من الزوار من شتى انحاء الوطن العربي، حتى اوشكت لندن ان تصبح مدينة عربية يسكنها بعض الانكليز ، ولذلك كانت اشغال السفارة محدودة، واشغال القنصلية لاتتجاوز منح السمات لعدد من المسافرين الى الهند واستراليا عبر العراق، وتصديق بعض الاوراق التجارية وشهادات المنشأ وتمديد جوازات العراقيين القليلين الموجودين فيها، ومعظمهم من الطلاب الذين كانوا يدرسون في الجامعات البريطانية، ولايتجاوز عددهم بضع مئات وكان يحضر الى انكلترا من وقت لاخر عدد من ضباط الجيش العراقي للمشاركة في دورات عسكرية، او شراء بعض المعدات للجيش، او للعلاج وكان الملحق العسكري في السفارة هو المقدم الركن حسن مصطفى الذي كان من المع ضباط الجيش العراقي واول المتخرجين في الكلية العسكرية وكلية الاركان وفي جميع الدورات التي اشترك فيها وكان حسن مصطفى (وما يزال) شخصا لطيف المعشر، كريم الخلق، مندفعا في اداء واجباته وفي خدمة العراقيين. سواء كانوا من العسكريين او غيرهم. وكان على كثرة واجباته واشغاله، يعمل بمفرده ولايساعده في عمله سوى سكرتيرة واحدة، ولم يكن لدائرة الملحق العسكري محاسب خاص، وكان محاسب السفارة يقوم بحسابات الملحقيتين العسكرية والثقافية، وصرف رواتب الضباط والطلاب الموجودين في انكلترا وكانت اشغال هاتين الملحقتين في كثرتها تعادل اضعاف اشغال السفارة. وكان محاسب السفارة هو الزميل محمد اسماعيل رمضان الذي يناديه الجميع "ابو جاسم" وكان موظفا لايكل عن العمل، شديد الحرص على اموال الدولة ومراعاة الانظمة والتعليمات الحسابية وتنفيذها بدقة تامة تبتعد احيانا عن المرونة ولذلك كثيرا ما كان يدخل في مناقشات حادة مع موظفي السفارة، واذا كان المحاسبون في كل مكان يتصفون بهذه الصفات، بسبب طبيعة اعمالهم ودقة مسؤولياتهم فقد كان جميع اعضاء السفارة يحبون "ابا جاسم" ويحترمونه  لنزاهته وصراحته وتقشفه ، ويعلمون ان تشدده في الامور لم يكن قط بدافع  شخصي منه ضد أي منهم. وكانت اكبر مشاكل "ابي جاسم" مع الملحق العسكري، وذلك لان الانظمة الحسابية لوزارة الدفاع كانت تختلف بعض الشيء عن تعليمات وزارة المالية التي تخضع لها الوزارات الاخرى.. وكثيرا ما كان الملحق العسكري يحيل اليه قائمة لصرفها، فيرفض ابو جاسم لتعارضها مع تعليماته فيحتدم النقاش بينهما ويتعالى الصياح، فيحتكمان الى السفير الذي يحل بالتي هي احسن ولا يلبثان ان يخرجا من غرفته مبتسمين. انف قاسم  وكان بين الضباط الذين حضروا الى انكلترا في مهمة رسمية مقدم ركن اسمه عبد الكريم اسم ، اوفد للاشتراك في دورة الضباط الاقدمين وكان يتردد على السفارة من وقت لاخر شأن زملائه الاخرين، كما كنا نجتمع به احيانا في بعض الاماسي مع غيره من العراقيين في دار الملحق العسكري او غيره من الزملاء. وكانت في انف عبد الكريم قاسم ثلمة (او قرطة) تشوه منظر وجهه وتسبب له عقدة نفسية فطلب الى الملحق العسكري وهو زميله في الدراسة وصديقه، السماح له بالبقاء مدة اخرى بعد انتهاء  الدورة ليدخل المستشفى ويجري له عملية جراحية على انفه لأزالة تلك الثلمة، فوافق حسن مصطفى على مضض رغبة في مساعدته، فدخل المستشفى واجريت له العملية الجراحية فحققت نجاحا نسبيا، وكانت انظمة وزارة الدفاع تقضي بان تدفع الملحقية العسكرية نفقات معا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram