سهيل سامي نادراعترف انني حزين للنتيجة البائسة التي حصل عليها "الشيوعيون" في الانتخابات، ليس لأنهم لا يستحقونها، ويستحقون افضل منها، وأفضل منها بكثير، بل لأنني توقعت هذا الاخفاق، وكنت ارى ان القيادة الشيوعية غامرت بسمعة الحزب واليسار في اشتراكها بلعبة خاسرة، وقد سددت لنفسها ضربة هائلة ، لأنها لم تتعب نفسها في القيام بتحليل سياسي وسيكولوجي لطبيعة المعركة الانتخابية وتغير المزاج الجماهيري .
دعاية اخلاقيةاحد اصدقاء الشيوعيين المقربين الذي توقع نتيجة مقاربة حثني على التصويت لهم قائلا: على الاقل يفوز ابو داوود! لا اقول نكتة هنا، بل هذا ما حصل فعلا. إنه اسقاط سيكولوجي صريح ، فهذا الهبوط بالاهداف، هذا التواضع المحزن، لا يصف لحظة سيكولوجية بائسة تقنع بالقليل، بل يصف عناصر كثيرة في السياسة الشيوعية : واقعية سياسية بلا افق ، قناعة بأن الدور الشيوعي لا يسعى الى تسجيل اهداف بل مجرد البقاء ، ممارسة الحكمة مع غير الحكماء ، القيام بدور المساعي الحميدة بين أسود السياسة العراقية وثعالبها الطماعين والمتخاصمين . ماذا كانت النتيجة؟ الاسود ، والغيلان ، والافاعي، سلّموا للحزب الشيوعي بأخلاقه السامية وقالوا له وداعا. نعم .. الكثير من اصدقاء الحزب كانوا يتوقعون هذه النتيجة الا الحزب نفسه، الا ابو داوود شخصيا ، بيد انهم لاسباب اخلاقية اعطوا اصواتهم لقائمة "اتحاد الشعب"، مقنعين انفسهم بأن الشيوعيين ظلوا اوفياء للشعب، وأبعدوا أنفسهم عن السرقة واللعب بحياة مواطنيهم .ازاء توقع الفشل، والشعور بمفارقات الواقع وغدره، وانعدام الخطط أو غموضها، اختار الشيوعيون الحديث عن السراط المستقيم بوصفه طريق ممشاهم الاخلاقي والروحي اليومي، وقد ساروا عليه ، من دون أن يلتفتوا يمنة ويسرة، في الوقت الذي كانت فيه السياسة ترتبط بالسرقة وتجهز على ما تبقى من الدولة العراقية. لم يتبق اذن غير الاخلاق يتباهى بها الشيوعيون. لماذا؟ لأن لم تعد السياسة في العراق اخلاقية. فهل توهموا بأن الاخلاق سوف تميزهم، وترفع من هاماتهم فوق اولئك الذين ملؤوا جيوبهم بسرقات الدولة العراقية المنهارة، اعلى من منافقي الوطنية الذين قبضوا الملايين من الجهات الاجنبية ، اعلى كالنسر المحلق فوق ذلك الدود الاسود الذي ينخر بترابنا ومؤسساتنا؟ لكن ليست هذه سياسة بل دعاية عائلية في مشروع خطبة يد آنسة مصون! rnلقد اختاروا الصمتدعونا نغادر هذه البيانات الاخلاقية الى الواقع الفعلي . فمنذ ان ظهر الشيوعيون في الشارع بعد نيسان 2003 طمعوا بممارسة دور سياسي من دون أن يمتلكوا قواعد جماهيرية ثابتة ولا تنظيم يستطيع ان ينهض بعمل. كان عليهم ان يبنوا كل هذا، وهو امر مشروع وضروري . كل سياسة تحتاج الى جسد تنظيمي ، الى حقل قوي خاص يدور حول نواة صلبة. إذن سيحتاجون الى وقت ، الى زمن يملأ عروق الحزب بالدماء الجديدة التي لا خبرة لها ، والدماء القديمة ذات الخبرة. بيد ان الشيوعيين قبل ان يبنوا شيئا من هذا غامروا بسمعتهم السياسية بالانخراط في العملية السياسية التي ادارها بريمر. ويبدو أنهم شعروا بالخوف من ان يمضي الزمن السياسي الجديد من دونهم ، وكان عليهم ان يلحقوا به يركوب نفس القطار المتهادي الذي ركبه الاسلاميون من جميع الملل والنحل وبعض التقدميين والاكراد المنظمين جيدا. لقد جرت كامل العملية السياسية التي ادارها بريمر في الكواليس، وانتهت باحتفال بائس اعلن فيه تشكيل مجلس الحكم . بدا هذا المجلس هو الافق الواقعي الوحيد ، هو السياسة المتبقية في زمن الحرائق واللصوصية. وحسب علمي كان للشيوعيين رأي آخر ، وهو تشكيل حكومة قوية تمثل توافقا وطنيا واسعا وتعبر مرحلة التحول هذه بأقل الخسائر. وكانوا على صواب مرتين، مرة بطرح مشروع مستقل، ومرة في ارباك المخططات الامريكية. لو نجحوا لتغيرت بعض المسارات اللعينة، لو فشلوا لحازوا على احترام الناس، وما كانوا قد وصلوا الى هذا الفشل الناتج عن المساهمة في وليمة ليست معدة لهم. لكن حدث الآتي: بدلا من الانسجام مع حدوسهم الاولى، وبدلا من اعلان هذه الحدوس على الملأ لكي يميز الناس بين سياسة وأخرى، بين الشيوعيين والأكراد على سبيل المثال، بينهم وبين الاسلاميين كذلك، مارسوا سياسة الكواليس وقوانينها المقدسة : الصمت ! لقد صمتوا حتى هذه الساعة على غدر الآخرين بهويتنا العراقية لمصلحة الاثنيات والطوائف. من يصمت يعني انه موافق. يتمحل الا انه موافق: هذا هو درس اخلاقي كذلك، الدرس الحقيقي للاخلاق من دون الدخول بمباراة تعداد مزايا شرف الحزب الذي لم يتلوث بعد. rnالصغار والكبارإن قوانين الكواليس ستفرض هيمنتها على الصغار على نحو خانق، على الشيوعيين بوجه خاص، ولسبب مفهوم ، وهو ان الكبار طرحوا انفسهم كممثلي طوائف واثنيات، اي انهم ممثلو كتل تاريخية تريد ان تنتقم من "المظلومية" السابقة، وقد حازوا لهذا السبب على حقول قوى جاهزة، مبنية على التذكارات التعيسة الموصولة باحكام طقوسي بالماضي الشعبي، ولها اهداف عاجلة، وتضيف اليها الشعائر والمناسبات الدينية مادة حية لتقوية التنظيم والدعاية ، فما الذي يمتلكه الشيوعيين بالمقابل لكي يعيدوا بناء حزبهم وينتشروا على ارض العراق المجرّحة؟ عيد الجلوس اللينيني؟ لكن آه- بلا سخرية لطفا- هناك ذكرى ثورة تموز التي باتت من كثر المدائح غير النقدية لها تماثل بيرقا ممز
أما آن الأوان لمغـادرة هـذه الإخفـاقــات المتتـاليـة؟
نشر في: 29 مارس, 2010: 05:04 م