ولد نجيب أبو إلياس الريحاني في عام 1890 في حارة درويش مصطفي في حى باب الشعرية بالقاهرة من أب ينحدر من أصول عراقية كان يعمل بالتجارة وأم مصرية اسمها لطيفة.. وعندما وصل الطفل إلى سن المدرسة أدخله والده مدرسة (الخرنفش) حيث تعلم اللغة الفرنسية وأجادها وحيث استهواه فن التمثيل فالتحق بالفرقة المسرحية بالمدرسة
بعد أن عشق التمثيل من خلال دروس الإلقاء التى كان يلقيها (الشيخ بحر) الذي جعل الريحاني يعشق اللغة العربية والتمثيل وقد توفي والده وهو في سن الخامسة عشرة فترك المدرسة ليصبح مسئولاً عن الأسرة خاصة وأن شقيقه (جورج) لم يكن من النوع الذي يمكن الاعتماد عليه. وكانت أسرة الريحاني تعده منذ البداية لكى يكون (موظفاً محترماً) ولذلك سعدت كثيراً عندما وجد فرصة للعمل في بنك التسليف الزراعى وتصادف أن يكون معه في البنك الشاب عزيز عيد الذي كان هو الآخر عاشقاً للفن بشكل عام وللإخراج المسرحى بشكل خاص.. وكانا كثيراً ما يذهبان لكي يعملا (كومبارس) مع الفرق الأجنبية التي تقدم عروضها على مسرح دار الأوبرا. كما التحق الريحاني بالعديد من فرق الهواة المسرحية مما جعله يتغيب كثيراً عن البنك وانتهى الأمر بفصله ومعه عزيز عيد. فالتحق الريحاني بفرقة إسكندر فرح وتركها سريعاً وراح يتنقل بين الفرق الصغيرة ثم قرر أن ينشئ فرقة خاصة به وأن يحترف التمثيل فغضبت أمه وقررت مقاطعته لأنها تحتقر التمثيل.. المهم أنه استأجر (جراجاً) وحوله إلى مسرح بدائى وقدم أول مسرحية بعنوان (خلى بالك من إبليس) وكان الإيراد اليومى من 50 - 60 قرشاً يقتسمها مع عزيز عيد بعد خصم المصروفات.. وسرعان ما فشلت التجربة وعاد الريحاني ليعمل مع الفرق الأخرى. واتسمت شخصيته منذ البداية بأنه لم يكن ممثلاً يكسب (لقمته) من مهنة التمثيل ولكنه كان فيلسوفاً وفناناً أصيلاً عاش لفنه فقط، وقد لقى الاضطهاد والحرمان وشظف العيش في سبيل فنه. وكان منذ البداية أيضاً يعشق (التراجيديا) ولكن الجمهور أجبره على أداء الكوميديا فاستطاع أن يغلف أداءه الكوميدى بذلك الشجن الشفيف الذي أعطاه طعماً خاصاً وقد تولد هذا الشجن من صراعاته الطويلة مع الحياة ومن العديد من الأحداث المؤلمة التي مر بها. ورغم تفوقه الهائل في الكوميديا إلا أن حنينه الدائم للتراجيديا كان يجر عليه الكثير من الويلات مثل الاستدانة وهجوم الصحافة وكتب في مذكراته.. (كل هذا لأننى تجاسرت على قدس الدراما من غير (إحم ولا دستور). المهم أن مشواره مع الاحتراف بدأ من خلال علاقته بالفنان عزيز عيد فكون فرقة مع الممثل سليمان الحداد وقدمت الفرقة عروضها على مسرح إسكندر فرح بشارع عبد العزيز وكانت تقدم مسرحيات (الفودفيل) المترجمة عن الفرنسية مثل (ضربة مقرعة - الابن الخارق للطبيعة - عندك حاجه تبلغ عنها - ليلة الزفاف) ولم تستطع هذه العروض أن تحقق النجاح المطلوب. وفي ظل هذه الحالة الضنك قابل أمين عطا الله الذي عرض عليه السفر معه للإسكندرية للعمل في فرقة شقيقه سليم عطا الله بمرتب أربعة جنيهات كاملة. ووجد الفرقة تستعد لتقديم مسرحية (شارلمان الأول) فأخذ الريحاني دور شارلمان وهو الدور الثانى ونجح كثيراً وكان يحاول التجديد والتجويد كل ليلة. ودعا عطا الله مجموعة من الأدباء والفنانين لمشاهدة العرض وتفوق الريحاني على عطا الله فحظى بثناء كل الأدباء والفنانين وتوقع أن عطا الله سوف يكافئه ولكن المكافأة أنه استغنى عنه. فعاد إلى القاهرة عاطلاً ليجلس على مقهى الفن. ونجح خاله في توظيفه بشركة السكر في نجع حمادى فسافر على الفور وتفوق في عمله ولكنه ارتبط بعلاقة عاطفية مع الزوجة الشابة للباشكاتب العجوز وانفضح الأمر فتم طرده من الشركة وعاد إلى القاهرة لتطرده أمه من البيت وضاقت به الدنيا لدرجة أنه كان ينام في الحديقة بجوار قصر النيل وفيها التقى بالكاتب المعروف محمود صادق سيف ينام في نفس (الفندق) وبعد عدة أيام أخبره سيف بأن صاحب مكتبة المعارف كلفه بترجمة رواية بوليسية فرنسية اسمها (نقولا كارتر) مقابل 120 قرشاً عن كل جزء وشاركه الريحاني في الترجمة ورغم أن (الحالة أصبحت ميسرة) إلا أن حنينه إلى المسرح كان يملك عليه حياته ولذلك فرح كثيراً بالعرض الذي قدمه له (مصطفي سامى) في أن يترجم بعض روايات الفودفيل الفرنسية لفرقة شقيقه الشيخ أحمد الشامى وعمل الريحاني ممثلاً ومترجماً مقابل أربعة جنيهات في الشهر وكانت هذه الفرقة جوالة تلف المدن وتطلب من أعضائها أن يحملوا معهم المراتب والألحفة وبعد انتهاء جولة الصعيد ذهبت الفرقة إلى الوجه البحرى وفي طنطا فوجئ الريحاني بوالدته أمامه ذات صباح ومعها خطاب بعودته إلى شركة السكر في نجع حمادي فعاد إلى الشركة وزاد مرتبه إلى 14 جنيهاً. ورغم هذا ظل تفكيره طوال الوقت في المسرح. وفي عام 1912 أرسل إليه عزيز عيد رسالة يؤكد فيها بأن فن التمثيل قد ارتفع شأنه وأن جورج أبيض قد عاد من أوروبا وينوى تأليف فرقة مسرحية ومع ذلك ظل الريحاني في عمله ولكن الصحافة اهتمت كثيراً بالتمثيل والممثلين فخارت مقاومته وطلب إجازة لمدة شهرين وعاد إلى القاهرة ليشاهد تمثيل جورج أبيض وانتهت إجازته وقد تملكه شيطان التمثيل تماماً وقد خفف عنه نقل محمد عبد القدوس إلى مدرسة الصنايع في نجع حمادى وراح كل منهما يمارس فن التمثيل
الريحاني.. شارلي شابلن العرب
نشر في: 2 إبريل, 2010: 05:20 م