حازم مبيضين عشية الانتخابات السودانية، برزت بشكل مذهل الخلافات العميقة بين أطراف اللعبة السياسية، – وما أكثرها – ، وتمثلت بالتشكيك سلفاً بكل الترتيبات والطعن في نزاهة مفوضية الانتخابات، وصولاً إلى انسحاب العديد من العملية الانتخابية وهم يعلنون رفض نتائجها بغض النظر عن تلك النتائج،
ما دامت لم تضمن لهم الفوز. والراهن الخطر هو تحول خطوة التحول الديمقراطي التي كان مأمولاً منها وضع حد للفوضى الشاملة، والركون إلى شيء من الاستقرار، إلى عامل اضطراب جديد ينضاف إلى العوامل العديدة القائمة والفاعلة. يثير العجب والاستغراب أن قوى المعارضة هي التي كانت تستعجل الانتخابات، وتتهم حكومة البشير بانها كانت تبحث عن أي ذرائع لتأجيل هذا الاستحقاق، ابتداءً بقضية الاحصاء السكاني وليس انتهاءً بتوزيع الدوائر الجغرافية، وبعد استجابة الحكومة، تراجعت المعارضة وطلبت التأجيل، وإلى حد إعلان مقاطعة الانتخابات، متجاهلة ارتباط موعدها باستفتاء تقرير مصير الجنوب، المتوقع أن تكون نتيجته لصالح الانفصال، برغم أن العديد من قيادات الجنوب يفضلون البقاء ضمن الدولة السودانية بشروط تفضي إلى تحسين أوضاع منطقتهم، وتؤدي إلى مساواة كاملة بين المواطنين، بغض النظر عن مناطقهم الجغرافية، أو لون بشرتهم أو ديانتهم. لكن المهم في موقف الجنوبيين هو إصرارهم على هذا الاستفتاء وتفضيلهم عدم ربطه بالانتخابات. مطالب المعارضة تبدو تعجيزية، لان إعادة عملية الإحصاء ستأخذ وقتاً أطول من الوقت الذي تضربه للاستفتاء، والواضح أن المخاوف الناجمة عن عدم الاستعداد سواء من حيث تنظيم جماهيرها، أو غموض برامجها السياسية لمرحلة التحول الديمقراطي، هي التي تدفعها للهجوم على مفوضية الانتخابات، لتتمكن من ترحيل أزمتها المشكوك بمقدرتها على اجتراح الحلول لها في " فترة السماح " التي تطالب بها.يصر الحزب الحاكم على الموعد الراهن للانتخابات لثقته بفوز البشير، وبما يرفع عن كاهله بعض أعباء الاتهامات التي تلاحقه بها محكمة الجنايات الدولية، إضافة لقناعته بأن التأجيل سيمنح المعارضة فرصة للاستعداد بشكل أفضل، وعقد تحالفات يمكن أن تصل إلى تسمية مرشح واحد لرئاسة الجمهورية سيكون نداً وخصماً يحسب حسابه في مواجهة البشير، وهو لذلك يسعى لعقد تحالفات مع عدد من قوى المعارضة، إضافة للاتكاء على الموقف الدولي وخصوصاً الاميركي الداعي لاجراء الانتخابات في موعدها.بعض ما يجري في السودان شبيه بما جرى في العراق، فالجميع يعترف بنزاهة الانتخابات إذا فاز، وإلا فانها مشوبة بالتزوير في مرحلة من مراحلها، ويتساوى في ذلك المناضلون تاريخياً في سبيل الديمقراطية، والقوى التقليدية المرتكنة إلى مفاهيم دينية، وحتى بعض العسكر المتحولين الى العمل السياسي، ووجه التشابه الثاني هو الخوف من انفصال الدولة الى اثنتين أو أكثر، إضافة لسيطرة من نوع ما للقبلية والقومية والديانة، والسلاح المنفلت في أيدي الجميع، والتدخلات الاقليمية والدولية، وحدة الصراع بين القوى المتنافسة والتباين الهائل في برامجها ومنطلقاتها الفكرية والسياسية.البعض انسحب من المشاركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، والبعض انسحب جزئياً وواصل السباق في جزء آخر، والعالم ينتظر انتخابات سودانية شاملة وتنافسية بشكل حقيقي تؤدي نتائجها إلى الخروج بهذا البلد من دوامة الازمات التي تعصف به من سنوات طوال، وتستنزف ثرواته، بينما يعيش أغلبية مواطنيه تحت خط الفقر، وفي ظروف غير طبيعية ولا إنسانيه، وليس طبيعياً ولا صحيحاً أن يظل البشير المرشح الوحيد الضامن للفوز والعودة إلى القصر الرئاسي.
خارج الحدود :السودان .. انتخابات بمرشح واحد
نشر في: 2 إبريل, 2010: 05:41 م