حاكم حدادنتيجة للتقدم الحضاري ، اصبحت الفنون جميعها متواشجة مع بعضها بصورة مثيرة للاهتمام ، فقد استفاد الادب من السينما مثلما استفادت السينما من الادب وكذلك هو الحال مابين الرسم والشعر والموسيقى وهذا ناتج من انثيالات العصر ومعطياته الدلالية خاصة بعد ثورة الاتصالات .ومن بين الفنون القولية التي تواشجت مع الفن ، يمكن عد الشعر في المقدمة ،
فقد استغل الشعر بعض خصوصيات هذه الفنون ووظفها لصالحه ليحقق بذلك ابداعا فوق ابداع ، ومن هذه الفنون التي وظف الشعر ابداعاتها ، يمكن الإشارة الى فن السيناريو .وقد تساءل مؤلف كتاب (السيناريو) (سد فيلد) الذي ترجمه الناقد الراحل (سامي محمد) في بداية كتابه هذا السؤال ، ما السيناريو ؟ ، ويجيب ... هل هو دليل الفيلم ام خطوطه العريضة ؟ اهو الخطة ام مخطط العمل ؟ اهو سلسلة مشاهد على شكل حوار او وصف ؟ اهو صور متسلسلة على الورق ؟ اهو مجموعة افكار ؟ اهو حلم في افق كامل ؟.وبالرغم ان هناك تعريفات كثيرة لفن السيناريو، لكن السؤال الأخير في سلسلة الاسئلة التي اطلقها هذا الكاتب الأمريكي المتمرس في فن السيناريو والتي يقول فيها (ام هو حلم في افق كامل) تبدو اقرب الى الشاعرية لان السيناريو هو عبارة عن حلم ، شانه بقية الاحلام التي تمر علينا او تلك التي نصنعها ونرسمها بافق كامل على الورق .وهذه التجربة قريبة الى حد ما الى روح الشعر وفعالياته المدهشة والتي تجعل من الشاعر فنانا مدهشا وخالقا لمديات جديدة فضاءاتها الحرية المطلقة التي تستند الى روح الانسان وقيمه العليا التي تتاتى من خلال لوازم الشعر التي يمتلكها الشاعر ولايمتلكها غيره والتي بواسطتها يحقق الشاعر مايريد في تلك المفاصل الدقيقة للقصيدة التي بنشدها والتي يقدم فيها رؤيته الكاملة ومعطاها الدلالي .وهناك قلة قليلة من الادباء الموهوبين في الشعر والقصة والرواية من الذين استطاعوا ان يزاوجوا مابين ابداعاتهم وفن السيناريو .... ومن هؤلاء الروائي العراقي المغترب في فرنسا (شاكر نوري) حيث اشرت في مقالة لي نشرت في صحيفة العرب التي تصدر في لندن الى (تقنيات السيناريو في رواية نافذة العنكبوت) ، وكذلك القاص والروائي (احمد خلف) والذي نشرت عنه مقالة في صحيفة الاتحاد (العراق) بعنوان (تيمور الحزين بلغة السينما).ومن الشعراء الذين استطاعو وبمهارة فائقة ان يزاوجوا مابين الشعر والسيناريو الشاعر (كاظم الحجاج) والذي تمتاز تجربته بذلك الابداع والغنى الذي حققه على مستوى القصيدة شكلا ومضمونا ، في عملية المكون الشعري المتفرد والتي استخدم فيها فن السيناريو ببراعة تامة ، وذلك متأت من خلال دراسته لهذا الفن في مقتبل حياته والتي عززها بممارساته ، ومن خلال الخطى التأسيسية المدربة ان يقدم بانورامية القصيدة وهي محملة باريج الاستجابة العاطفية والنفسية ذات الشرط الفني الذي يعي لوازم الابداع بصورة اكيدة مكنته من ان يدخل بوابة الشعر الحديث من اوسع ابوابه .ذلك ان فن السيناريو فن أدبي مستقل وهو من الفنون الصعبة في الكتابة والتي لايبدع فيها من لايتزود بمفاهيم وتصورات خاصة حول عملية السيناريو نفسها كما يقول الناقد الراحل (سامي محمد) في معرض تقديمه لترجمة كتاب فن السيناريو. ومن هذا القول نستطيع ان نعدد اسماء مهمة في عالم الادب ، لم يحالفها النجاح في دخول مرامي هذا الفن الصعب والجميل والمدهش . ولذلك يمكننا ان ناخذ قصيدة (نشيد النخلة) للشاعر (كاظم الحجاج) نموذجا رائعا للمزاوجة مابين الشعر والسيناريو ، قدمت ألقيت في احد مهرجانات المربد السابقة وتقع في ست صفحات وتتكون من سبعة وثلاثين مقطعا شعريا ويمكن عد هذه المقاطع بمثابة مشاهد والتي ابتدأها الشاعر بان نثر بذور معرفته الحرفية فقدم الممهدات تماما مثلما يفعل كاتب السيناريو في بداية السيناريو الذي يكتبه من خلال المنظر العام الذي يمكن عده الاطار العام للفيلم ، وهو الشيء ذاته الذي فعله الشاعر فقال :(المها : مبهم في الغزال العروق : ملامحنا والجبال العيون : سهام ألمها في الرجال الوجوه : ياصفرة البرتقال الصبايا : نخيل الجنوب اذ قلنا : لا . قاصدات : تعال) ان هذا المدخل البانورامي يثير فينا اكثر من سؤال ، كما يرسم لنا اكثر من صورة ، فهو مزج شاعري مابين الجمال والقسوة مابين القوة والرقة ، سرد شفاف يعطي عناوين كثيرة لما يريد الشاعر ان يقوله لاحقا عبر غنائية القصيدة ومفاصلها الدقيقة مستخدما في ذلك شخصيات عديدة بعضها قديم والاخر معاصر ، مضيفا اليها حكايات بعضها جاد والاخر طريف ، متنقلا من مكان الى اخر بواسطة خيوط الحس الشعرية مؤكدا على ملهمات الخيال التي تبتعد عما سبقها من اشعار ، مستخدما في ذلك اللقطة والانتقالة السريعة وكذلك المونتاج المتوازي في عملية خلق مسارات الحدث دراميا والوصول به الى الذروة من خلال الحكمة والمفارقة والمكاشفة وصولا الى بؤرة الموضوع في القصيدة والذي نسميه في السيناريو باسم (الحل) أي انه لم يبتعد عن شروط الفعل الدرامي الذي اسسه (ارسطو) والمتمثل في البداية والوسط والنهاية ، سائرا فيه بفعل شاعري خلاق مستفيدا من التواشج في ارقى حالاته جاعلا من قصيدته عالما مدهشا من الرؤى الساحرة والجميلة والصادقة القريبة من القلب لانها تتكئ ع
فن الشعر وفن السيناريو فـي تجربة الشاعر كاظم الحجاج
نشر في: 2 إبريل, 2010: 06:29 م
جميع التعليقات 1
احمد الشريفي
مقال ومعلومات قيمة