عامر القيسيللاسف الشديد ان الصراع السياسي في العراق الدائر على السلطة ، ينتج لنا سلوكيات غريبة عن اصول واتكيتات العمل السياسي الديمقراطي الحضاري. وهذا الانتاج المشوه ، من الطبيعي ان يكون نتاجا منطقيا لعقلية مشوهة، أو مسكونة بهاجس السيطرة المطلقة والاستحواذ على كل شيء ،أو بشكل أخف مسكونة بوهم الغاء الآخر!
ما ان تنشب أزمة سياسية من اي نوع في البلاد حتى تتسابق التهديدات لتهديم كل شيء والعودة للمربع الاول، وهو المفهوم السياسي الجديد الذي يستخدمه بعض السياسيين العراقيين للايحاء بعودة العنف ، وهو تخفيف دبلوماسي عن تهديدات القاعدة الارهابية الواضحة والمكشوفة والشفافة، عندما تتحدث بلا رتوش عن القتل والتدمير والذبح وغسل ارصفة شوارعنا بالدم العراقي! يعتقد هؤلاء السياسيون ان وداعتهم في الفضائيات وصورهم المرتشة تنطلي على المواطن العراقي الذي صار يربط بين التصريحات وما يحدث بعدها ، وبين الازمة وتفاعلاتها وتوقف العنف ، وبين المكاسب والثمن الذي يدفعه المواطن. وربما من سخرية الاقدار ان يقع مثل هؤلاء السياسيين بايدي مثلنا من المواطنين البسطاء الذين يقول المثل الشعبي عنّا بأننا " مفتحين باللبن". والاكيد ان تجربة السنوات السبع الماضية الثرية والضخمة ، رغم قصر مدتها ، منحت المواطن حاسة سادسة وهي ، قراءة التلميحات عن بعد ، وفي العلوم الاجتماعية والتطبيقية تسمى الاستشعار عن بعد ، وهي قراءات اثبت الواقع السياسي العراقي ، في اكثر من مكان وزمان ومناسبة صحة استنتاجاتها .السياسي الذي يزعل لانه يعتقد بانه أخذ أقل من حقه من الكيكة العراقية ، ينفش ريشه امام كاميرات الفضائيات، ويقول دون ادنى احساس بمشاعر الناس المرعوبة اصلا من الشد السياسي في البلد ، ان دورة العنف من المرجح ان تعود ! وكأنه يعرف متى تأتي ومتى تخف ومتى تذهب، ويضيف ، ان حرصه على العراق الديمقراطي الجديد هو ما يجعله " ينبه "لهذه المخاطر، المرجحة والمحتملة والمؤكدة !! ثم يذهب ليستريح في فندقه الخاص ، سواء كان في بغداد أو في غيرها من عواصم العالم ، ليترك الناس في حيرة من امرها تضرب اخماسا باسداس ، وتبدأ بترتيب امورها اليومية على اساس احتمالات العنف ورائحته القادمة من افق التصريحات السياسية " المعتدلة"!اذا كانت تهديدات القاعدة والعصابات المنظمة والصداميين مفهومة وبالامكان استيعابها ، باعتبارها الخطر الحقيقي على مستقبل العملية السياسية في البلاد، فكيف يمكن فهم التهديدات التي تنطلق من افواه من يعلنون دوما ايمانهم بالعملية السياسية ، ويشاركون في الانتخابات بهمة ونشاط ، ويأخذون حصصهم من كراسي الحكومة والبرلمان معا ، ويتمتعون بكل امتيازات رجال الدولة ؟قضية غير مفهومة ولا يمكن استيعابها عن طريق المنطق ، لكن المفهوم بالنسبة لنا ، ان زمن التهديدات الحقيقية قد ولى ، وان من يريد الذهاب الى المربع الاول فليذهب وحيدا وسيكتشف ان ذهابه بمثابة انتحار سياسي له ،وان المربع الذي يهددون به بعضهم البعض ، اكتوى بناره الجميع من دون استثناء بما في ذلك الذين وقفوا على الرصيف بانتظار نتائج الصراع لعلهم يغنمون سقط متاع الآخرين، لا أحد يخشى التهديدات ، ولكن لاأحد ايضا سيبقى متفرجا عليها وهي تقترب من ابواب المنازل!
كتابة على الحيطان :تـهـديــدات المـربــع الأول
نشر في: 3 إبريل, 2010: 06:26 م