عادل العامليُبدع الكاتب الصحفي، و لا يكون عديم اللون و الطعم و الرائحة، كما يوصف الماء عادةً في الفيزياء، حين تتوفر له صحيفةٌ تحترم فعلاً حرية الابداع و التعبير و مناخٌ وطني ديموقراطي إلى حدٍ ما. و إذا ما برز كاتب بمثل هذه المواصفة، فإنه سيكون بالتأكيد مكسباً للصحيفة و تمييزاً لها عن القطيع، و تشجيعاً لأقلامٍ واعدةٍ لكنها متريثة تراقب الوضع عن كثب بانتظار الضوء الذي يُقال إنه في آخر النفق!
فمن بين مئات الصحف و آلاف الصحافيين أو الاعلاميين الذين شهدتهم الساحة الثقافية العراقية على مدى قرنٍ من الزمن، ليس في ذاكرتنا الجمعية من الأسماء اللامعة المتفردة بالجرأة و النكهة الخاصة إلاّ عدد قليل يُعد على رؤوس الأصابع، ليس غير. و إذا ما ذُكر واحدٌ من هؤلاء وردت في الذهن معه أيضاً الصحيفة التي تميّزَ بكتاباته فيها، فميَّزها بدورها و أبقاها خالدة في ذاكرة الناس. فإذا ما ذُكر، مثلاً، نوري ثابت ذُكرَت معه حبزبوز، و إذا تذكّرنا عبد اللطيف حبيب خطرت في ذهننا صحيفة البلاد، و إذا جاء ذكر اللامع الشهيد أبو سعيد، عبد الجبار وهبي، برزت معه اتحاد الشعب، و إذا قيل أبو كاطع، شمران الياسري، تذكّرنا " صراحته " في طريق الشعب. و قل الشيء نفسه عن حسين مردان، و رشدي العامل، و نزار عباس، و قيس لفتة مراد و آخرين ربما كانوا أكثر إبداعاً في كتابة المقالة الصحفية وفقاً لغيري. و كان هناك في الستينيات أيضاً مقدّم برنامجٍ مع الناس متميز بالجرأة و الامتاع و الأصالة في إذاعة صوت الجماهير، و كان لقبهُ الأطرش، و قد بقي في الذاكرة هو و الإذاعة التي يبدو أنها ضاقت ذرعاً بأسلوبه الممتع الجريء فلم يطل مقامه فيها! و يذكّرني هذا بما حصل لزميلنا عبد الزهرة المنشداوي، الذي كان له برنامج شعبي جميل في إذاعة جمهورية العراق، يرصد فيه بعض الظواهر و الأحوال الاجتماعية و يعلّق عليها بأسلوب ريفي ظريف و بصوتِ مقدّمهِ المتمكّن اللطيف " أبو عبد الله "، لكن الإذاعة السيئة الحظ لم تفهِ حقّه من المكافأة و التقدير، و خسرته ببرودة دم قاتلة، فحرمت منه المستمعين، و لم تنتطح في الاذاعة، أو شبكة الإعلام العراقية، في ذلك عنزتان!خلاصة الموضوع، افتحوا النوافذ، و دعوا هواءَ الصحف و الاذاعات يتجدد، و الأزهارَ تتفتَّح، و الحقَّ يُقال، و إن زعلَ شعيط و معيط و جرّار الخيط.. و السلام!
وقفة: متى يُبدع الكاتب وتتفتح الأزهار!
نشر في: 4 إبريل, 2010: 04:55 م