محمد درويش عليبرغم التطور التكنولوجي الهائل في مجالات الحياة كافة، واختصار مجموعة كتب في قرص مدمج، الا أن للكتاب الورقي رونقه وجاذبيته وطعمه الجميل، ومازالت بيوت الأدباء والمثقفين والعلماء عامرة بمكتباتها التي فيها أهم الكتب التي اقتنوها طوال أعمارهم، وحافظوا عليها مثلما يحافظون على أولادهم، ومقتنيات بيوتهم الغالية،
ومعرض أربيل الدولي الخامس للكتاب الذي يقام هذه الأيام في حدائق الشهيد سامي عبد الرحمن في عاصمة إقليم كردستان، يوفر الكثير من المصادر المهمة لقرائه لاسيما ان أكثر من مئتي دار نشر محلية وعربية وعالمية تشارك فيه، وكل دار تريد أثبات نفسها من خلال ما تعرضه من مصادر مهمة . ان هذه المعارض التي تقيمها المدى مع وزارة ثقافة إقليم كردستان، تدلل على ان العراقي مازال يقرأ كما كان يقال عنه سابقاً، وتضخ دماءً جديدة الى روح وجسد الثقافة العراقية، بعد ان راهن الإرهاب على موته بعد حرق شارع المتنبي الذي يعد أهم سوق للكتاب في الشرق الأوسط، وتجعل القارئ متواصلاً مع كتابه الذي يريد، وفي لقاءات جمعتني مع أدباء من المحافظات بمناسبة اجراء انتخابات الهيئة التأسيسية لاتحاد الأدباء، تمنوا على المدى ان تقوم بجولة في محافظاتهم، ليغرفوا من منهل الجديد من الكتب والمصادر التي توفرها المدى، لأنهم في عطش دائم الى كل ما هو جديد في عالم الفكر والثقافة والأدب، والبعض الآخر تمنى ان تكون في محافظاتهم مكتبات دائمية لإصدارات المدى ودور النشر التي تتعامل معها . اذاً للكتاب أهميته في كل مكان، وهو الذي غير العالم نحو الأحسن وليست البندقية، وكلنا نتذكر رأس المال لماركس وأصل الأنواع لدارون والكتب السماوية وثروة الأمم لآدم سميث ونقد العقل الجدلي لهيغل والوجود والعدم لسارتر وهكذا تكلم زرادشت لنيتشه وجمهورية أفلاطون وتفسير الأحلام لفرويد وأعمال دوستيوفسكي وتولستوي وغيرها من الكتب التي أحدثت طفرة في العقل الإنساني، والمدى بمعارضها التي تقيمها في بغداد والمدن العراقية الأخرى تدعم هذا الجانب الفكري لدى الإنسان العراقي، وأهميته تكمن في ذلك في هذا الظرف الصعب من حياتنا. لقد ذكرنا هذا المعرض بالمعارض الكبيرة التي تقام في العالم، ولا يقل شأناً عنها، والنقطة الأساسية في الموضوع هي ان كل المعارض التي تقام في البلدان العربية والعالم تخضع كتبها للرقابة قبل مدة من افتتاح تلك المعارض، ويتم الاستغناء عن الكتب التي تؤشر، ويمنع تداولها، والمعرض الوحيد في العالم، وأقصد معرض أربيل الدولي الخامس للكتاب، لا تخضع فيه الكتب المشاركة من قبل دور النشر للرقابة وهذه بادرة طيبة تتيح حرية للناشرين لعرض ما في جعبتهم من عناوين منوعة، وباعتقادنا ان هذا لوحده كاف ليمنح المعرض أهميته القصوى ومغزاه الحقيقي، في إدخال عناوين في المعرض، واطلاع القارئ عليها، ويدلل أيضاً على التلاقح الفكري مابين الثقافات من دون تمييز، ويعد انفتاحاً على الآخر. ونتذكر هنا معارض الكتب التي كانت تقام قبل 2003 في بغداد كيف انك كنت تعثر على عنوان في اليوم الأول للمعرض، وفي اليوم لاتراه وعندما تسأل عن السبب، يقال بأنه ممنوع وتسرب من بين يدي الخبير أو الفاحص الذي كان في بعض الأحيان يعرف العناوين فقط . وكانت العناوين التي تدعو الى التغيير وتجعل القارئ يتآلف مع ما فيها، وتحرك لديه نوازع البحث عن الأفضل فانها كانت ممنوعة أساساً، وهكذا كان التعامل مع النشر والاستيراد وكل ما له علاقة بالفكر والثقافة، لكن الآن بدأت مرحلة الانفتاح على الآخر من خلال أهم وسيلة حضارية هو الكتاب، وليست على طريقة وزير الدعاية الهتلري غوبلز عندما قال : كلما سمعت بالثقافة مددت يدي الى مسدسي !
إضاءة.. الانفتاح على الكتاب
نشر في: 4 إبريل, 2010: 07:29 م