TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > خارج العاصمة :أخــويــــة 2003

خارج العاصمة :أخــويــــة 2003

نشر في: 5 إبريل, 2010: 05:47 م

محمد خضير من يخشى الماضي؟ ومن يخاف رموزه وأصنامه؟ ومن يحب الكلام حين يستوجب السكوت، ومن يسكت حين يستلزم الكلام؟ من يسأل ومن يجيب؟ ومن يود أن يمثل دوراً على مسرح عتيق، ختم أدوارَ ممثليه العظام مجنونٌ يهذي بحكاية ملؤها الصخب والعنف؟
طمأنني صديق على دوري الأرستقراطي الذي اكتسبت به رضاء أهل الوقت القديم ومواجهة غضبهم، حين كنت أغوص نحو الأعماق والاستقرار في ثقب السرطان. لكنني عشت أيضاً شرود الروح الفقير الذي يجوب سطح الواقع ويلقط حبات الحصاد المرّ ممزوجة بزؤان الأفكار والأحلام، وتعرضت لهزء الدهماء لما أطلت الوقوف على الطرقات وتسكعت في الأسواق وتكلمت بلغات الحشود في هذه الأيام. أما العمل الذي أشعر بأني أجيده في كل الأوقات، فهو عمل صياد السمك الذي يسكن أطراف ((الجمهورية)) ويدلي بسنارته في نهر الزمن، عسى أن يبصر جثة غريمه يحملها المجرى تحت بصره، كما يقول أهل مذهب ((الزن)).قد تسمح هويتي الاجتماعية القريبة من مسرح الأحداث المتهاوي، بأن ألطّف لفحات حادث 2003, فأستعمل مصطلح (تغيير) و (تحرير) مقابل مصطلحات (زلزال) و(انهيار) و(سقوط)، وقد أفسر نهب المتحف العراقي وحرق المكتبات والوثائق في إطار ((الفعل الشعبي التلقائي))، أو بتفسير دونالد رامسفيلد ((الناس الأحرار هم أحرار بارتكاب الأخطاء))، وقد أقابل هذين التفسيرين بتفسير جان بودريارد لفوضى بغداد بعد الاحتلال على أنها تمثل ((يأس المحتلين من الاستحواذ على كل شيء)) وسعي الغرب المهان في 11 سبتمبر إلى ((جعل ثروات العالم الثقافية قابلة للاستبدال)) ـ استبدال ثقافة غير معروفة وغير مهمة بثقافة معروفة جداً وعالية الكثافة استبدالاً رمزياً ـ وإذلال الآخرين ((اللاغربيين)) بإحياء طقوس التضحية المقدسة بقرابين رمزية. ولكن بماذا أفسر دراما الأخطاء المستمرة منذ سبعة أعوام؟ وأنّى لروح قابعة في ثقب السرطان أن تهرب من الكوابيس المرابطة على ساحلها؟من يحق له تفصيل الحالة العراقية الراهنة؟ هل يعني حادث 2003 الرابحين الطارئين على أرض الآلام والتضحيات؟ أم الخاسرين الفاشلين في الحفاظ على حكمهم؟ أم هو يعني المهمشين الذين أدمنوا خسارات التاريخ؟لا يعني الحادث العراقي الكبير شخصاً مهاناً، ولا المستقبل المجهول باحثا أنثروبولوجياً مسكوناً بهاجس الاستبدال الرمزي، وإنما هو يقلق وعي مجموعة عانت التدمير الطويل لمقاصدها الحقيقية في البحث والسـؤال، وأعني هنا مجموعة ((أجيال الخطر)) التي عانت بعثرة فوضوية لموروثها الثقافي المحتجز بين قطائع التاريخ العراقي المتوالية منذ مطلع القرن العشرين. إن شعورها بالاذلال يفسد حياتها ويدمر حاضرها ومستقبلها ويعطل مهاراتها.حدث مرة في تاريخ المأساة العراقية أن أسفرت فوضى سقوط نظام عام 1963 عن تأسيس أخوية أدبية عُرفت بقلقها واغترابها وتمردها على قيم التضحيات الرمزية (الحزب، الثورة، الأدب المؤدلج). شعر أعضاء تلك الأخوية بخيبة العمل السياسي وسقوط اليوتوبيات الدموية، فأحيوا تقاليد التأمل في الأعماق الصافية، على أطراف ((الجمهورية))، وسط رغبة جامحة للسباحة في سورة الزمن المحيطة بعاصمة الانكسار الستيني. منذئذ وأعضاء الأخوية يجازفون بالاقتراب من بؤرة الصراع السلطوي وتعريض قواهم ((الفيثاغورية)) إلى لعنة الانتقام.يعود المعتزلون والمغتربون إلى المركز المقوَّض بعد انهيار 2003، فيبصرون الرؤوس المتموجة في أحراش الأراضي التي عبرتها جيوش الاحتلال واستقرت وراء ظهورها. عادت عصبة الأخطار من هامشها الملتوي حول بؤرة الانهيار، لتواصل عملها على مسرح الأدوار القديم، وتجمع أرشيف الذاكرة المشتتة في يوميات الأخويات المنقرضة، الممتد بين الفصلين الأول والأخير من دورة الفصول والأدوار.يتلخص عمل أخوية 2003 في استعمال برنامج ((المكنسة)) لتنظيف سطح الواقع من شظايا الزلزال وألغامه، وإزالة غمامات الإذلال القيمي الرمزي، ودماء التضحيات الشعائرية، وفائض الإنتاج الاصطلاحي لشعارات الغزو، وميثولوجيا الصورة الإعلامية، ومن ثم جلاء مرآة الأعماق الصافية التي أمدّت الروح العراقية بأرقى التأملات في قيم الحرية والنور والحداثة.إذ لا تمتلك الأخوية سوى مقدمات تعريفية واستدلالات أولية ومفاتيح حدسية للاقتراب من مؤسسات الأدب والسياسة المزاحة إلى تخوم المركز التاريخي المنهار، فإنها ترتضي تمثيل دور التضحية الأول في العرض المئوي لفصوله المخبوءة في أنطولوجيات الإزاحات التاريخية العنيفة. ولن تبخل في عرض الفصل الأخير الذي قد يرديها على مسرح القسوة والموت. إنها أدوار منفردة على مسرح مكشوف سعته سعة الرؤيا المصلوبة على امتداد الأرض العراقية، ومونولوجات محبوسة بين جنبات الهضبات والوديان.أهدى غائب طعمة فرمان روايته (خمسة أصوات) إلى ((أصدقائي في صراعهم مع أنفسهم ومع الآخرين)). لم يتوقف الصراع الذي وحّد/فرّق أصوات ((جيل الضياع)) بتسمية الصوت الثالث من الرواية، أو ((جيل الاختيار)) بتسمية الصوت الأول، بل دفع أخوية الأجيال التالية لخوضه في هامشهم الضيق الملتوي حول بؤرة الانهيارات العشرية المشؤومة. لم يكن لأصوات (فرمان) عنوان ثابت ((الموتى أيضاً لهم عناوين ثابتة. فما نفع العنوان الثابت؟ المهم أن تح

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram