الكتاب: المفكرون و المجتمعتأليف: توماس سويلترجمة: عادل العاملهل هناك من شيء جديد يمكن قوله عن المفكرين؟ يبدو أن توماس سويل Sowell، الكاتب و الاقتصادي المحافظ الذي يعلّق قبعته في معهد هوفر بجامعة ستانفورد، لديه ما يرميه هنا،كما يقول رسَل جاكوبي الكاتب و أستاذ التاريخ في جامعة كاليفورنيا في مقاله هذا.
و سويل كائن نادر، مفكر يجعل من حياته نصفاً في الجامعة و نصفاً خارجها. و قد قام بالتدريس في مؤسسات عديدة، و كتب عموداً نقابياً، و أصدر كتاباً في كل عام تقريباً. و هو كمحافظ أسود، يحتل موضعاً ظاهراً، و لم يكن خجِلاً من توجيه انتقادات خشنة لأمور ذات تأثير إيجابي. و كتعبير عن الموافقة على آرائه الاستفزازية، أنشأت كلية بيتز كرسياً موقوفاً باسمه في علم الاقتصاد. و ينقلب سويل الآن نحو المفكرين. و هو يعلن في مقدمة كتابه الجديد (المفكرون و المجتمع) أن كتابه هذا ينبغي أن يُعتبر الثالث في ثلاثية محافظة تنسف المفكرين نسفاً. ففي (المفكرون) الصادر في عام 1988 قام بول جونسون بجدولةٍ لسوء التصرف و النفاق الشخصي لدى هذا النوع من الناس. و تعلمنا من جونسون، مثلاً، أن هنريك إبسن كان يسكر أحياناً و يكتب رسائل مكشوفة إلى نساء شابات. و قد استنتج جونسون أن عشرة أشخاص يتم اختيارهم " عشوائياً " في الشارع ينبغي تفضيلهم على مفكرين لاأخلاقيين، يمكن أن يكون نفسه واحداً منهم، لا سيما و أن عشيقته لوقتٍ طويل قد انتقدت علناً فيما بعد المؤلف المتزوج لوقتٍ طويل على ريائه. و أوقع ريتشارد بوسنر في (مفكرون شعبيون) هذا الصنف في شبكة علمية ليبيّن أنه كان يتصرف على نحوٍ بائس خارج حقله الضيّق. فعلى سبيل المثال، لم يكن أساتذة القانون الذين احتجوا على محاكم بوش العسكرية اختصاصيين في القانون الجنائي أو الدولي و لم يستطيعوا أن يفهموا القضايا الوثيقة الصلة بذلك. فالمفكرون، بالنسبة لبوسنر، ينبغي عليهم أن يلتصقوا بالأمور التي يعرفونها، و هي نصيحة يهزأ بها في كتابه.و في كتاب (المفكرون و المجتمع)، يقوم سويل بترتيب ما هو على اليسار في نظره، المفكرون الذين يؤثّرون في السياسة. فهم ليسوا بالضرورة " مفكرين شعبيين public intellectuals "، و إنما " كتّاب، أكاديميون، و ما شاكل ذلك " لديهم تأثير كبير على المجتمع. أما مسألة مَن هم هؤلاء المفكرون، فلا تهمّ سويل كثيراً. و هو يحدد أن أهدافه ليس المهندسين و الماليين بقدر ما هم علماء الاجتماع و أساتذة الانكليزية. فتأثيرهم على ملايين الناس، كما يكتب، " لا يمكن مناقشته إلا بالكاد ". و يورد هنا تأثير لينين، و هتلر، و ماو، لكنه لا يفسّر كيف أثّر أساتذة الانكليزية بأولئك الأشخاص. و يبدو سويل هنا أكثر تشوقاً لخوزقة المفكرين من انتقادهم على مهل. و موقفه واضح بسيط. أن المفكرين لا يفهمون عبقرية السوق. إنهم يتجهالون البيّنة التجريبية. إنهم نخبويّون. فهم يعملون بغِمامات إيديولوجية (و الغمامات هي التي توضع على جانبي رأس الفرس فلا يرى غير ما أمامه). و في النهاية، هم " غير مسؤولين unaccountable بالنسبة للعالم الخارجي ". فهم يحكمون على الآراء استناداً إلى كم هي ذكية أو معقدة، و ليس إلى ما إذا كانت تنفع عملياً أم لا. " لكن لا أحد حكم على آراء فنس لومباردي في كيفية لعب كرة القدم " وفقاً لتعقيدها أو جِدّتها، كما يكتب سويل، و إنما وفقاً " لما حدث حين وضعت آراؤه على محك الاختبار في ميدان كرة القدم ". فالسيد سويل يناصر ما يمكن أن ندعوه بالتفسير اللومباردي للآراء. اختبار الفِكَر أو الآراء في الميدان.فهل نقول أن النازية أو الستالينية مثلاً قد نفعت عملياً إلى أن دُحرت؟ و إذا وضعنا مثل هذه القضايا الكبيرة جانباً، فإن سويل يوجه لطمة قوية للمفكرين الغربيين على سوء تصوراتهم عن المجتمع. فقضايا مثل القضاة الناشطين سياسياً، الحمل في المراهقة، السيطرة على السلاح، تخطيط المدن، الحرب في فييتنام، توزيع الدخل، و الجريمة، جميعها حصلت على جلسات استماع موجزة. و قد فات المفكرين الزورق أينما كان. إنهم لا يفهمون الحقائق و الأمور المترتبة عليها. و يغطي (المفكرون و المجتمع) مواضيع كثيرة، لكن بقدر ما يندر تحديد المؤلف للمفكرين الذي يسخر منهم، عدا في مناقشاته للماضي، حيث يكون غير خائف، فإن الكتاب عموماً يفتقر إلى الضربة المؤثرة. فهو يوجه اللطمات إلى تصريحات برتراند رسل عن السلام و بيانات جورج برنارد شو حول الاتحاد السوفييتي، لكنه لا ينبس ببنت شفة في ما يتعلق بالحاضر. و هو كالكثير من المحافظين يقف بطوله باسم الشعب ضد النخبة المفكرة. و يكتب أن كتابه هذا هو " عن المفكرين " و ليس " للمفكرين "، و لا يمكنه أن يكون منزعجاً إذا ما وجد ضحاياه أغلاطاً لديه. لكن مَن سيقرأ، إضافةً للمفكرين، كتاباً عن المفكرين؟ كما نجده أيضاً يكتب باسم السوق، لكن ولاءاته تتناقض أحياناً. فكثير من المفكرين، كما يقول، لا يستوعبون مكافأة أو تعويض المديرين التنفيذيين " إنهم لا يفهمون كيف يمكن أن يستحق هؤلاء مثل هذه الرواتب العالية. فهل " المفكرون " فقط هم الذين لديهم شكوك بشأن رو
المحافظـون و رجــال الفكــر في أميركــا
نشر في: 6 إبريل, 2010: 05:09 م